أخبار العربية

هذا الإعلام يستفزني

في معظم مجتمعاتنا العربية لا نستغرب وجود إعلام تقليدي أو إعلام يسير في ركاب الفئات المتنفذة وتتحكم به الأهواء والمصالح الشخصية وإن أختلفت النسبة من مجتمع لآخر أي أن الدور الأساسي للإعلام في نقد كافة الممارسات الخاطئة وكشف الحقائق غائب أو محدود وإن تم يكون في غالب الأحيان وفقاً لهذه الأهواء وهذه المصالح أو على الأقل لا يتعارض معها ولكن أن يتم توجيه هذا الإعلام بصورة تسيء إلى الوطن ورموزه في الوقت الذي يعتقد أو يتظاهر القائمون عليه أنهم فقط يساهمون في خدمته والدعاية له ولهم وأن المسألة لا تتجاوز ذلك أمر يجب عدم القبول به بل والتوقف عنده لتعريته وتصحيح مساره ولكي نتحدث بوضوح نذكر من ذلك على الصعيد المحلي ورود عبارة"سفير خادم الحرمين الشريفين" في نشرات الأخبار فكيف سمح هذا الإعلام لنفسه بالقفز على الوطن فمن المعلوم أن السفراء هم سفراء دول وحكومات وهذه التسمية المصطنعة من قبل إعلامنا هي إختزال للوطن وإساءة لنظام الحكم في المملكة لأنها تعطي إنطباع وتصور لدى الآخرين بأن إدارة شئون الدولة تتم بصورة متفردة وأحادية وأنه لا شورى في البلد ولا وزراء وأن الحكومة لا تملك من أمرها شيئاً وبالتأكيد فإن خادم الحرمين "حفظه الله" يرفض على الإطلاق أن يتم تكريس هذه الصورة السيئة عن دولة يتربع على قمة الهرم فيها ومن الأخبار التي تثير أيضاً حفيظة أي مهتم بالشأن الإعلامي تلك المتعلقة بأوامر الإخلاء الطبي فدائماً ما تشير هذه الأخبار إلى أن هذه الأوامر هي مكرمات لولي العهد بالرغم من أن إجراءات الإخلاء تتم وفق ضوابط محددة تقتضيها الحالة المرضية للمواطن الذي يتم نقله بالإخلاء وتتطلبها مستلزمات علاجه وهذه الخدمة العلاجية هي حق مكفول لمختلف فئات المجتمع وعموم المواطنين ولا يمكن أن يعتبرها سموه "حفظه الله" مكرمة من مكارمه التي ليست في حاجة إلى مثل هذه الأخبار لإثباتها وبالتالي فإن هذا "التخبيص" الإعلامي يسيء للوطن ورموزه ويثير الإستهجان وقد ظهر هذا جلياً في بعض التعامل الإعلامي مع كارثة سيول جدة أو ما يمكن أن نطلق عليه جدة "غيث" عندما بادر الكثير من الكتاب وكنت واحداً من هؤلاء إلى تناولها وتحليل اسبابها والمطالبة بمحاسبة المتسببين بحدوثها على هذا النحو والتحذير من تكرارها في مدينة جدة أو أي من مدن المملكة الأخرى ثم تواصل ذلك بعد صدور التوجيه السامي بتشكيل لجنة تقصي الحقائق حيث بارك الجميع هذا القرار وأشادوا به إنطلاقاً من تلبيته لتطلعات الرأي العام وترسيخاً لمبادئ الشفافية والمكاشفة والعدالة وهذا لا غضاضة فيه وإن كان هناك بعض التحفظات على جانب من الكيفية التي تم بها هذا التعامل إلا ان الوضع بعد إحالة المتهمين لهيئة التحقيق والإدعاء العام أصبح أكثر فجاجةً ويوحي للقارىء بأنه في مجتمع آخر غير الذي ينتمي إليه سواءً كان ذلك في التعامل الإعلامي المتمثل في التغطية الإخبارية الصحفية أو المقالات المنشورة وإلا كيف نستوعب هذا التهليل وعبارات الإعجاب بل التعجب المصاحبة له والقول أن هذه المحاكمة هي الأولى للفساد وهناك من وجه الشكر للملك واللجنة على هذه الإحالة ووجه الإنكار لدي على هذا التعامل الإعلامي يكمن في أسباب هذا التعجب فألم يكن من العدل والمنطقي أن يحدث ذلك في بلد نفاخر دائماً به أمام العالم أنه الوحيد الذي يحكم بشرع الله ويضم على أرضه قبلة المسلمين والمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وكان منارةً للإسلام ومنطلقاً للفتوحات الإسلامية العظيمة ثم مالذي يدعو للتعجب وولي الأمر فينا يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين ومنذ توليه وهو يؤكد على أهمية العدل ومحاربة الفساد وهكذا كان ديدن من سبقوه فقد دأبوا على التوجيه بتطبيق الشرع في كافة مناحي الحياة فهل كان هؤلاء يعتقدون أن شيئاً من هذا لن يكون وشكوا في حدوثه على أرض الواقع أوأنهم لم يكونوا على ثقة بجدية القرار الملكي بتشكيل لجنة تقصي الحقائق أو بما يمكن أن تسفر عنه من نتائج (بئس ما كانوا ما يعتقدون) ثم أليس من الطبيعي والبديهي أن يحارب الفساد في بلد مثل المملكة يتميز بكل ما ذكرنا سلفاً فإذا كان القانون يطبق بحزم ودون إستثناء في دول ليست إسلامية وتحكم بقوانين وضعية فهل يصبح ذلك عصياً لدينا او إن حدث ينظر له على أنه معجزة وامر إستثنائي وهل هذا يعني أن الموازين أنقلبت وصار الحق هو الإستثناء والقاعدة بدعة مستحدثة فإن كان الحال كذلك فلعمري أن هذا أصل البلاء وأس المتناقضات أم أن هؤلاء أرادوا أن يطبقوا المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد" حيث رأوا أن الفرصة سانحة لهم ليبالغوا في ردة فعلهم ويكيلوا المديح في غير موقعه طمعاً في شيء يختمر في نفوسهم ولكن من وجهة نظري أنهم أساءوا التقدير فما حدث هو الواجب الذي لا بد منه وخاصة أمام كارثة بحجم كارثة جدة وأعتقد جازماً أن ولاة الأمر لا يحبذون هذا "العك" وهذه المحاباة الممجوجة وهذا النوع من الإعلام الرخيص وهم أكبر شأناً من ذلك وأرفع مقاماً وليسوا في حاجة للشكر من هذا وذاك ومسئوليتهم رعاية شؤون المسلمين كما أمر المولى سبحانه وكما ورد في محكم التنزيل وهدي المصطفى الأمين ولا يرجون إلا ثواب العزيز القدير وعفوه .