أخبار العربية

بدأت ساعة الحساب .. فماذا بعد؟

جمال خاشقجي (صحيفة الوطن) الأحد10محرم1431ـ27ديسمبر2009العدد 3376ـ السنة العاشرة .

هل سيغسل سيل أمس الذي "سيبلبط" فيه عدد من المسؤولين في جدة لفترة طويلة قادمة آلام آلاف دهمهم سيل الأربعاء؟ وهل ستطمئن أرواح قضت عبثاً، لأن مسؤولاً ما قرر أن هذه الأرض تصلح مخططاً، وذاك المجرى للسيل لا يستحق أن يبقى، وأن سيلاً عرماً يمكن أن نقنعه بالدخول في مجرى صناعي عرضه متر ونصف المتر؟
بالطبع لا شيء سينسي ذوي الضحايا آلامهم، ويعوضهم عن سكن وحياة بنوها بعرق الجبين، ولكن سيل أمس، عندما تحركت المباحث الإدارية ورجال شرطة محافظة جدة وجمعوا قوما حسبوا أنهم فوق كل حساب، سيعيد الثقة إلى كل مواطن والخوف إلى كل من مد يده إلى مال حرام.
أخطأنا يوما بالسكوت عن مفسد صدر في حقه صك، فأقدم غيره على نفس الفعل، وعندما اكتفينا بكف يد ذاك ولم يحاسب أو يعد ما في ذمته، استمر شريكه يكرر "شطارته"، فأقسى دية يدفعها هي سمعته, ولكن سمعته لم تعد تهمه منذ أن استلم الألف الأول من تحت الطاولة. رغم كلمة الملك القوية، ووعده ووعيده، وإحساسه القوي بالمسؤولية، وإننا جميعا في ذمته، ظل البعض غير مصدقين أننا في زمن المحاسبة، في زمن عبدالله بن عبدالعزيز الذي لا تسرق فيه فاطمة أو علي إلا ويحاسبهما، كثيرون قالوا إن التحقيقات ستتوقف بعد فتح عدة أبواب لتصل إلى أبواب محكمة صنعت من سنديان صلد، ولكنهم فاتتهم جملة قالها الملك أن يستدعى كل من له علاقة "كائناً من كان" للتحقيق, ولكن لا نستعجل، قد يكون هناك أبرياء بين الموقوفين، فلن يعاقب مذنب بدون محاكمة شرعية عادلة، فلا نلوك الأعراض، سنتبادل القصص، ونسمع اثنين يرميان بعضهما بتهم الفساد والتقصير، والأفضل ألا نحكم، فلجنة التحقيق والتقصي التي يرأسها سمو أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل، جهة تحقيق وليست جهة قضاء، سترفع ما انتهت إليه إلى ولي الأمر وهو صاحب الأمر في محاسبة المسيء وتحويله إلى الجهة المناسبة للحكم عليه.
هؤلاء لم يعلموا أن أمير المنطقة قد فتح ملفات بعضهم حتى قبل سيل الأربعاء الداهم، كان يعمل بهدوء وسرية، فحال جدة وقصور المقصرين لم تكن خافية على أحد، وعندما وقع السيل، وغضب الملك أصبح في يد الأمير توكيل قوي ومفتوح للمحاسبة، حظهم السيئ أن السيل الفاضح وقع في زمن عبدالله بن عبدالعزيز.
وليطمئن سكان جدة، فاللجنة ليست للمحاسبة فقط، وإنما لرفع توصيات بالإصلاح الكامل، فبينما يعمل بعضهم في التحقق من أخطاء وتقصير الماضي، يعمل آخرون مسؤولون ومواطنون في معالجة آثار الحاضر، ومجموعة ثالثة تضع الخطط والتصورات للمستقبل، بعضها بدأ قبل السيل وتم أخذ تداعيات السيل المؤلمة في الحسبان للاستفادة منها. قلت للأمير خالد قبل أسبوع إن الرأي العام يضغط من أجل حساب سريع ويريد أسماء فقال لي "لن يضغط علي أحد، إذ لا أريد أن أظلم أحداً، لا يهمني إلا ثلاثة، الله الذي سأقف أمامه ويسألني عما فعلت لمن اؤتمنت عليهم، ثم ولي الأمر الذي وثق فيّ وجعل ما في ذمته حفظه الله في ذمتي، وأخيرا ضميري". بدأت ساعة الحساب، وأحمد الله أنني ما وضعت يدي على أرض ليست لي ومهرت صكاً بتوقيع وختم ما كان لي أن أضعه عليه، ولو فعلت لما نمت ليلتي البارحة.
التعليق :-
______
أستاذنا الكبير سلمت يمينك ودام قلمك الحر والمتدفق إبداعاً ووضوحاً وبالفعل حانت اللحظة الحاسمة والفاصلة بين الحق والباطل بين الفوضى واللامبالاة وإنعدام الضمير وبين الحزم والشعور بالمسئولية والضمير الحي للأمة بين الفساد وضياع الحقيقة والإفلات من العقاب وبين الإصلاح وجلاء الحقائق وضبط المفسدين وإيقاع الجزاء الرادع والعادل بهم وكلنا أمل أن يتم محاسبة كل من كان له يد في وقوع هذه الكارثة على النحو الذي حدث سواءً كانوا مرتشين أو مقصرين أو متواطئين وأن تكون المحاسبة على قدر الكارثة وبحجم نتائجها السيئة وأن يتم العمل على تلافي تكرار ذلك في مدينة جدة وفي أي مدينة أخرى من مملكتنا الحبيبة ونتمنى أن تكون الشفافية والمكاشفة والنقد البناء ديدننا وأسلوبنا الذي ننتهجه في مختلف المجالات وهذا بالتأكيد لن يتأتى بدون تفعيل دور الصحافة بما يضمن لها أن تكون منبراً متاحاً لجميع الآراء وكافة التوجهات بذات القدر وبصورة متساوية حتى نستطيع بناء مجتمع صحي لا تستأثر فيه فئة بتوجيه الرأي العام وحتى نتخلص من سيطرة أحادية الفكر والنمطية الفكرية التقليدية التي يترتب عليها حالة من الجمود والإنعزالية .