أخبار العربية

شركة معادن وخطاب الإرهاب والترهيب !


يبدو أن الحملة الإعلامية الشعبية إن جاز لنا تسميتها كذلك والتي تتحدث عن التلوث في مدينة مهد الذهب بدأت تؤتي ثمارها أقلها من حيث أنها أثارت حفيظة المسؤولين عن شركة معادن فأصبحوا يتخبطون على غير هدى فقرروا التعامل مع هذه الحملة العفوية على طريقتهم فأقدموا على مخاطبة جامعة الملك سعود يتذمرون من الحملة ويتهمون الدكتور/عبدالله الفراج بقيادة حملة إعلامية تحريضية ضد الشركة ولو أن الأمر توقف على ذلك لصنفنا هذا الخطاب في سياق الموقف العام للحالة المزرية في التعامل مع قضية التلوث والرغبة الغبية في الدفاع عن الشركة ولكن أن يتضمن الخطاب مطالبة الجامعة بالضغط على الدكتور الفراج لإيقاف هذه الحملة والأسوء من ذلك إقحام الإرهاب في الموضوع والتذكير بأن هناك جنسيات غربية تعمل لدى الشركة فهذا موقف عجيب وأحمق (يبدو أن الإرهاب صار مبرراً لكل من أراد كسب الدعم أو التأييد) فبدلاً من أن تعمد الشركة للتحدث عن جوهر القضية والإجراءات التي أتخذتها لمعالجة مشكلة التلوث أو نفي النتائج التي توصلت لها الدراسة العلمية التي أعدها الفريق العلمي وأكدت وجود تلوث خطير تعاني منه المدينة والتي سبق لنا تناولها بشيء من التفصيل في مقالين سابقين تحاول الشركة قلب الطاولة بصورة تثير السخرية والرثاء وهي أيضاً تؤكد حجم التجاهل الذي تتعامل به الشركة مع الإعلام والرأي العام الذي لا زال مصدوماً من نتائج الدراسة والصمت المريب للشركة والجهات المعنية حيال هذه النتائج وعدم إتخاذ خطوات عملية للحد من التلوث البيئي ومعالجة آثاره السلبية كما يدل على أنها تتعامل بفوقية مع الجميع بما في ذلك الجامعة وإلا كيف لها أن تتجرأ على بعث مثل هذا الخطاب "المُعِيب" وتأمر الجامعة بإتخاذ إجراء بحق الدكتور الفراج إلا إذا كانت تظن أن الجامعة إحدى الإدارات التابعة لها .
وفي هذا الإطار يجب أن تعلم الشركة أن الحديث عن تلوث مدينة مهد الذهب من خلال دراسة علمية لا يعني تحريضاً وإنما هو أمانة علمية ومهنية وموقف وطني وجهد مخلص قد لا يعيه من بعثوا بالخطاب ووجهوا به فنلتمس لهم العذر كما نقول لهم أن هذه الحملة الإعلامية جاءت متأخرة لتأخر نشر نتائج الدراسة كما أشرنا في المقال الذي نشر في صحيفة الرياض بتاريخ 4 ذي الحجة بعنوان "الوباء الصامت والصمت القاتل" حيث حرص المعنيون بالدراسة وفي مقدمتهم الدكتور الفراج على عدم التسرع في ذلك حتى لا يُساء فهمهم ولكي لا يؤثر ذلك على تعامل الشركة وغيرها من الجهات ذات العلاقة مع قضية التلوث لأن الفريق العلمي لا يهدف إلى الظهور الإعلامي أو إستغلال القضية ضد أحد أو إستثمارها بأي شكل من الأشكال ولكن مع تجاهل الشركة لأي خطوة فعلية ذات جدوى تم نشر نتائج الدراسة في الصحافة المحلية وهذا حق طبيعي للفريق العلمي والجامعة وكان التركيز على النتائج العلمية فقط ثم أهتمت وسائل الإعلام المرئية بذلك وتناولت القضية في فقرات ضمن برامج تلفزيونية وقد تم ذلك بشكل متواضع بمعنى أنه لا يتناسب مع حجم القضية وأهميتها وليس فيه أي إشارة للشركة بشكل تحريضي أو إتهامي ولم يصاحب ذلك للأسف أي تناول إعلامي من قبل كتاب الزوايا والأعمدة اليومية بإستثناء مقال أو مقالين نشرت في بعض الصحف ومن هنا نستطيع القول أنه لم تكن هناك أي حملة تحريضية ضد الشركة وإنما تعامل إعلامي فرضته طبيعة القضية ومُعطياتها ولكن إن كان المقصود ما تنشره المواقع الإلكترونية فهذا يأتي في إطار ما أشرنا له أعلاه حملة إعلامية شعبية عفوية تتمحور حول التلوث في مدينة مهد الذهب على ضوء النتائج التي توصلت لها أكثر من دراسة علمية وإن كان المقصود بالتحريض هو قيام أهالي المدينة بتوكيل محامي لرفع قضية على الشركة فهي تعلم أن ذلك تم قبل هذه الحملة وإن كان بالتأكيد معتمداً على الدراسة ونتائجها وحتى وإن حدث هذا بعدها أو بسببها فلا ضير وهو حق ومطلب وطني لا بد من السعي الجاد للحصول عليه .
ونحن عندما نوضح مثل هذه الحقائق فلسنا بمعرض الدفاع عن الدكتور الفراج فهو أقدر على ذلك كما أن أي حملة إعلامية تستهدف الشركة لا تعتبر تهمة على الإطلاق في حال كونها مبنية على نتائج دراسة علمية بل هي شرف للقائمين عليها ولكن ما يهمنا هو الرأي العام الذي تتجاهله الشركة لكي يكون على بينة كاملة من حجم هذا التجاهل وأيضاً التجني الذي تضمنه خطاب الشركة وليس أدل على ذلك إدعاءها أن الدراسة التي قامت بها الجامعة الكندية لم يأتي فيها أي إشارة إلى أن التلوث مصدره الأعمال التي يقوم بها منجم الذهب التابع لشركة معادن بل قذفت بالتهمة بعيداً عن نفسها وحملت المسؤولية لمصانع أخرى وللمؤسسات التي تعمل في مجال البناء مثل الكسارات وخلافه وأضافت إلى ذلك طبيعة الصخور الموجودة في المدينة التي تتكون من عناصر معدنية ذات تراكيز عالية والحقيقة أن هذا محض إفتراء وأسلوب دفاعي لا تنقصه فقط المصداقية ولكن أيضاً الحكمة والذكاء حيث ورد في الدراسة ذاتها أن التلوث مصدره أعمال التعدين ولا يوجد في المدينة أي نشاط تعديني ما عدا المتمثل في منجم الذهب الخاضع لملكية الشركة وإشرافها فبالرغم أن فريق الجامعة الكندية الذي أعد الدراسة قام بإعدادها بناءً على إتفاق مع الشركة التي أرادت تكذيب نتائج الدراسة السعودية وبالتأكيد في مقابل عائد مادي ومع أن هذا الفريق تحدث في اللقاء الذي جمعه مع الفريق العلمي السعودي وبحضور مسؤولي الشركة بصورة مغايرة لنتائج دراسته إلا أنه لم يستطع إخفاء الحقائق المرعبة التي كشفت عنها هذه النتائج وقد يكون ذلك حرصاً منه على سمعته العلمية وسمعة الجامعة التي ينتمي لها أو مخافة المسائلة القانونية وهذا يجعلنا نتسائل عن الإختلاف الجوهري والبون الشاسع بين موقف الفريق الكندي وموقف المسؤولين "السعوديين"عن شركة معادن وإنكارهم وتجنيهم غير المبرر فلماذا لم يضع هؤلاء هذه الإعتبارات الخاصة بالسمعة والمسائلة في حساباتهم إلا إذا كانت الأولى لا تهمهم والثانية مستبعدة لديهم والأهم من ذلك الحفاظ على أرواح الناس وضمان سلامتهم ومما يضيف إلى هذا الموقف مزيداً من السوء ما تضمنه خطاب مدير الشركة من حديث عن ملكية الدولة لنصف رأس المال وعن قيمتها الإقتصادية وتوظيفها لأبناء محافظة مهد الذهب فبالله عليكم تحت أي بند يمكن أن نضع مثل هذا الحديث عن مآثر الشركة وملكيتها إلا في إطار التخويف بهيبة الدولة وأن أي نقد للشركة هو تطاول على هذه الهيبة ومن جهة أخرى النظرة الدونية للمواطن السعودي وإستغباءه وإستغفاله والمن عليه فبمأن الشركة توفر له مصدر رزق فعليه أن يسعد بذلك ويحب يده مقلوبة حتى وإن تعرضت صحته للضرر ... ما هذه اللغة يا سعادة مدير شركة معادن ؟ نترك الحكم لأصحاب الضمائر الحية ولكل صاحب عقل شريف وكلنا ثقة بأن الدولة براء مما تفعلون .
ومن وجهة نظري أن الشركة عندما أقدمت على توجيه خطابها السيء الصيت والذي جاء متزامناً مع تاريخ نشر المقال المُشار له أعلاه كانت واقعة تحت تأثير صمت الصامتين وتخاذل المتخاذلين ويبدو أن الشركة نسيت أو تناست كعادتها في التعامل مع هذا الملف أن الدكتور الفراج ليس طالباً في الجامعة وإنما أستاذ مشارك له وزنه العلمي ومركزه الوظيفي كما نؤكد لها أن ما سبق من تعاطي إعلامي مع قضية التلوث لا يعدو كونه ذكر للنتائج وتوعية للناس ولكن الحملة الحقيقية لم تبدأ بعد وخطابها الترهيبي سوف يكون نقطة تحول في شكل ومضمون أي حملة إعلامية قادمة لا علاقة للدكتور الفراج بها مع إحتفاظه بحقه بمقاضاة الشركة على إتهامها له بالتحريض بشكل صريح والتشجيع على مهاجمة العاملين فيها من قبل الإرهابيين تلميحاً وإن كان حاله كذلك كما ترى الشركة فلتضيفنا إلى قائمة التحريض والمحرضين وخاصة أن هذا هو المقال الثالث وقد ورد إسم الشركة في هذه المقالات أكثر من وروده على لسان الدكتور .
ومن منطلق المواطنة التي نأمل أن تتحلى بها الشركة ننصحها (نصيحة مجانية لوجه الله) بتعيين مستشارين إعلاميين وقانونيين والأهم لديهم شعور عالي بالمسؤولية الوطنية حتى لا تقع في مزيد من الأخطاء التي قد تكلفها الكثير من سمعتها ناهيك عن الخسائر الأخرى .
وفي سياق الحديث عن التلوث في مدينة مهد الذهب لا بد أن نُشيد بموقف أمارة المدينة المنورة والذي أشدنا به في مقالنا الأول حيث أصدرت مؤخراً قراراً يلزم شركة معادن بردم المرادم القديمة ونقل المردم الجديد إلى مكان بعيد عن الأحياء المأهولة بالسكان وطلبت من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة متابعة تنفيذ القرار وبالرغم أنه جاء متأخراً إلا أن ذلك يعتبر مقبولاً لكون الأمارة ليست الجهة المعنية بشكل مباشر بالحكم على مثل هذه القضايا فهي ذات إختصاص إداري وبالتالي فإن هذا التأخير قد يكون مبرراً لأنها كانت تنتظر موقف واضح من قبل الجهات ذات العلاقة تخصصاً ومسؤولية ولكن عندما طال إنتظارها أقدمت على هذه الخطوة البناءة .