أخبار العربية

تستحق جامعة الملك سعود والفريق العلمي التكريم ولكن.......

طالعتنا صحيفة الرياض في عددها رقم (15230) ليوم السبت 20/ربيع الأول بخبر مفاده تكريم أهالي مدينة مهد الذهب لجامعة الملك سعود نضير رعايتها ودعمها لإعداد بحث علمي تناول مشكلة التلوث البيئي الذي تعاني منه المدينة بسبب منجم المعادن الجاثم على صدور سكانها وقد تسلم درع التكريم ممثل الجامعة ورئيس الفريق العلمي الباحث والأستاذ المشارك في الجامعة /د.عبدالله سلمان الفراج والحقيقة أن مضمون الخبر وإن كان من جهة يدعو إلى الفخر ويبعث الأمل في النفوس لندرة سماعنا أو قراءتنا لمثل هذه الأخبار التي تؤكد لنا بالدليل القاطع أن جامعاتنا قادرة من خلال مراكزها البحثية والباحثين فيها على الخروج من واقع التعليم التقليدي التنظيري إلى مجال التطبيق العملي الذي يعود بفوائد ملموسة في حياة الناس المُعاشة فهو من جهة أخرى يثير الأسى والسخط بسبب المعلومات المخيفة التي وردت في سياقه ومما يحسب للجامعة أنها لم تتعجل في الإعلان عن نتائج هذه الدراسة إلا بعد الجزم بصحتها عن طريق إعادة البحث والتحليل العلمي أكثر من مرة فقد كان البحث الأول من إعداد الدكتور/عبدالله والدكتور/محمد الوابل ثم أعقب ذلك دراسة ماجستير أعدها طالب بناءً على توجيه الدكتور الفراج بصفته المشرف على الرسالة وتلا ذلك فيما بعد فريق علمي مكون من عدد من الباحثين وكل هذه الدراسات أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك المصداقية العلمية لهذه النتائج ومن ثم فإن هذا الأسلوب الذي أنتهجته الجامعة جدير بالإحترام ويدل بوضوح على الشعور العالي بالمسئولية لدى إدارتها وباحثيها وخاصة إذا علمنا أنها بالرغم من عدم تعجلها في الإعلان عن هذه النتائج سارعت منذ البداية إلى إبلاغ الجهات المسئولة بشأنها ولذلك فجهودها مقدرة ومشكورة وتستحق الإشادة والثناء والإعتزاز وعرابا هذه الدراسة الدكتور/عبدالله والدكتور الوابل وكافة أعضاء الفريق البحثي الذي يقف خلف هذا الإنجاز والجهد العلمي المخلص يستحق ذلك عن جدارة ولكن وحتى نتجاوز قضية التكريم لما هو أكثر أهمية فعلينا أن نمعن النظر في نتائج الدراسة وتحديداً ما ذكره الباحث الفراج في عدد لا حق من صحيفة الرياض حيث صرح بأن التلوث يشمل الإنسان والحيوان والنبات وقد يصل ضرره مباشرة إلى الجنين في بطن أمه وأشار للمواد السامة الثقيلة المتراكمة داخل المنجم والتي أختلطت مع كميات من الأتربة تُرِكت دون تغطية مما يجعلها عرضةً للتطاير بفعل الرياح ومن ثم يستنشقها السكان فيصابوا بأمراض قد لا تظهر أعراضها إلا بعد مضي بضع سنوات وأضاف الباحث معلومة هامة تتعلق بأن الدراسة أُجريت فقط على تلوث التربة مشدداً على ضرورة إجراء التحاليل اللازمة للنظائر المشعة والغازات المتطايرة في المدينة للإحاطة بكافة جوانب التلوث وبناءً على هذه النتائج التي أصابت المجتمع السعودي بصدمة كما ورد في بداية الخبر الذي نشرته الرياض وتضمن هذه المعلومات الخطيرة فنحن نأمل بل نطالب وكلُنا ثقة الجهات المختصة وذات العلاقة وعلى ضوء هذه النتائج بإتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الوضع الحالي بدون تأخير لأن عامل الوقت مهم في مثل هذه الحالات من أجل منع إستمرار هذه الأخطار الصحية والحد من تفاقمها ومعالجة الآثار السابقة والعمل سريعاً على خلق بيئة صحية نظيفة من خلال تنفيذ توصيات الدراسة وجعلها واقعاً ملموساً أي أن ترى هذه التوصيات النور ولا تبقى حبيسة الأدراج لدى هذه الجهات وأول ما يمكن البدء به هو القيام بالتخلص من النفايات السامة المشار لها أعلاه وإن لزم الأمر إغلاق المنجم مؤقتاً حتى يتم نقله إلى مكان آخر أكثر ملائمةً لإشتراطات ومعايير البيئة الصحية وهذا إجراء حتمي أياً كانت الكلفة المادية والخسائر الإقتصادية الناتجة عن ذلك فحياة الناس وسلامتهم لا تقدر بثمن كما أن الخسائر التي سوف تترتب على إنتشار الأمراض قد تفوق خسائر إغلاق المنجم بصفة مؤقتة فمثل هذه الأمراض قد تستمر لأجيال قادمة لا سمح الله ومما تجدر الإشارة إليه ونود التأكيد عليه أنه لا بد من تقييم الأضرار التي لحقت بسكان المدينة وأن تعمد اللجان المشكلة إلى التنسيق مع وزارة الصحة للقيام بمسح شامل لمعرفة نوعية الأمراض المنتشرة بين السكان تبعاً للمسافة التي تفصلهم عن موقع المنجم والوقوف على مسبباتها ومدى إرتباطها بطبيعة أعماله ويصار فيما بعد إلى أن تتحمل الشركة المُشغِلة للمنجم تكاليف العلاج لمن يثبت إصابته بمرض نتيجةً لوجود هذا المنجم وصرف التعويضات المستحقة وعلى هذه اللجان أيضاً تحديد المسئولين عن التلوث سواءً العاملين في شركة التنجيم أو الذين منحوهم الترخيص بإقامة المنجم في الموقع غير المناسب وبالقرب من الأحياء السكانية ومساءلتهم وصولاً لمحاسبتهم وفقاً لمعطيات التحقيق بالإضافة إلى أخذ الدروس المستفادة من هذه الحالة لتلافي تكرارها في مدن أخرى من مملكتنا الحبيبة وذلك بإقرار الآليات والضوابط التي تضمن عدم إنشاء أي مصنع أو منجم يمكن أن يحدث تلوثاً بيئياً إلا بعد إستشارة المتخصصين في علم البيئة والأجهزة المعنية وتوثيق الآراء الفنية والعلمية حيال الموقع الأكثر آماناً لإقامة هذا المصنع وماهية إحتياطات وتدابير السلامة الواجب إتباعها حماية للمدينة وسكانها وفي إطار كل ما سبق فمن الواجب أن نتقدم ببالغ الإمتنان لأمارة منطقة المدينة المنورة ونحيي الدور الإيجابي والفاعل الذي أضطلعت به لتسهيل مهمة الفريق العلمي وتذليل مختلف العوائق التي كان من الصعب التغلب عليها بدون هذا الدور ومن هنا نتمنى على الأمارة بيان الكيفية التي تعاملت بها مع نتائج الدراسة وإن كان ثمة إجراءات لم تُعلِن عنها فلتبادر لكشفها للرأي العام فمن حق سكان المدينة والجامعة بل والمجتمع السعودي عموماً الإطلاع على تفاصيل ما تم بهذا الخصوص حتى يطمأنوا ويهدأ روعهم ويشعروا بجدوى مثل هذه الدراسات العلمية .
هذا المقال نشر في صحيفة الرياض بعددها رقم (15246) ليوم الأثنين الموافق 6ربيع الثاني 1431ه الموافق 22مارس 2010ولكنه لم ينشر كاملاً لأسباب يراها الرقيب.