أخبار العربية

ماذا بقي من سيادة الدولة في لبنان ؟

يمكن التوجه بهذا العنوان السؤال لرئيس وزراء تيار المستقبل في لبنان الشيخ/سعد رفيق الحريري وعندما أسميه كرئيس وزراء لتيار وليس لحكومة فأنا أعني ما أقول لأن الرجل بالرغم من الموقع الرسمي الذي يتبوءه وما يبذله من محاولات جادة للتهدئة مع أعداء الأمس القريب وسعيه الحثيث والمتواصل لكسب كافة الأحزاب السياسية والطوائف المختلفة وتحديداً صاحبة القول الفصل في هذا البلد العربي الهوية الفارسي الطوية لتجاوز عوائق بناء الدولة ذات السيادة والقادرة على المضي قدماً لتحقيق تطلعات الشعب اللبناني والوصول به إلى بر الأمان إلا أنه لا زال لا يملك من أمور الحكم ما يؤهله لذلك المنصب ولبنان المستقل بات حُلماً بعيد المنال بصرف النظر عن كون الشيخ الرئيس يتمتع بالصفات اللازمة لذلك أو لا فهذا شأن آخر والإشكالية أنه في كل مرة يواجه بسيل عارم من الهجوم الذي يستهدفه شخصياً بل ويستهدف في المقام الأول هوية لبنان وسلطة القرار فيه بحيث يشمل ذلك بالتبعية الطائفة التي يمثلها الحريري في نظر خصومه والذين يعلمون أنه رجل ينأى بنفسه عن الطائفية والتمذهب البغيض فهو كما يبدو إنسان تقدمي علماني إن جاز التعبير بمعنى أنه لا يفرق بين اللبنانيين على أساس المذهب الذي ينتمون إليه ويدرك أن لبنان بلد متعدد الطوائف يجب أن يكون الساسة فيه بعيدون عن هذه الحسابات ولكن مع علمهم بهذه الحقائق فهم لا يعيرون ذلك أي إهتمام لأنهم ينطلقون من إعتباراتهم الإيدولوجية ويريدون تسيير دفة الأمور وفقاً لأهدافهم ومصالحهم المرتبطة بالخارج وهم بمحاولتهم تقويض سلطة الرجل يضعون في حسابهم إثبات هيمنتهم على الحكومة والدولة اللبنانية ويبعثون برسائل لجهات إقليمية ودولية يأتي في مقدمتها أن لا صوت يعلو على صوتهم وفي الوقت عينه يتخيلون أنهم ينالون من الدولة التي ساندته ووقفت إلى جانب والده ونقصد بذلك المملكة فليس سراً أنها الداعم القوي والفاعل الذي أوصل الحريري الأب إلى سدة الحكم في لبنان ولكنها عندما قامت بذلك حرصت على توافق كل اللبنانيين وبمباركة الجامعة العربية وفي العلن وهدفت إلى إنقاذ لبنان وإعادة بناءه وتعميره بما يحقق آمال الجميع ولم تكن تهدف إلى الهيمنة على هذا البلد والإنتقاص من سيادته أو جعله تابعاً لها ومنفذاً لسياساتها في المنطقة وإن حدث توافق أو تقاطع مصالح فهذا أمر طبيعي وكلا البلدين عضوان في الجامعة العربية وأهدافهما قد تكون متقاربة في كثير من المجالات وهذا بالتأكيد ليس حال الدول التي تدعم الطرف الآخر في لبنان والمناوئ لكل مشروع يخدم لبنان وبالذات إن كان ببصمة سعودية ومواصفات عربية ونعني بذلك إيران وحليفها الأول في لبنان والمنطقة ذلك الحزب المسمى "حزب الله" والذي كانت أحدث صولاته وجولاته تلك العربدة التي مارسها جهاراً نهاراً في مطار بيروت من أجل منع يد القضاء اللبناني من الوصول لمن أزبد وأرعد وهدد بالنيل من رئيس وزراء لبنان حيث مارس الحزب إستعراض قوته المعتاد وتحدى سلطة الدولة والقانون وهو الذي دائماً يشجينا بإسطوانته المشروخة عن السيادة اللبنانية وضرورة إستعادة أراضي لبنان لتحقيق هذه السيادة والقبض على عملاء إسرائيل ومحاكمة المفسدين لبسط هيبة الدولة والقانون فيأتي هو ويضرب بعرض الحائط بكل وقاحة هذه السيادة وتلك الهيبة وقد سبق له فعل أبشع من ذلك عندما هاجمت ميلشياته بيروت عام 2008 فيما عُرِف لاحقاً بأحداث السابع من مايو أيار من أجل فرض مطالبه على فريق الأكثرية فما لا يستطيع أن يحصل عليه بالإنتخابات يناله بقوة السلاح بعد أن عطل عمل الحكومة بالمنكافات السياسية التي لا تتناسب والإستحقاق الإنتخابي لفريق الأغلبية وأصاب مؤسسات الدولة بالشلل التام من خلال العصيان المدني فكان له ما أراد وتمت مكافأته فحصل على الثلث المعطل في إتفاق الدوحة الذي أعقب الهجوم ومن هنا بدأت الكارثة لأن التنازلات تقود إلى مزيد من التنازلات وتحديداً إذا شعر الطرف المستفيد حقاً من هذه التنازلات أنها تمت بدافع الخوف ومن منطلق الضعف .
وفي إعتقادي أن حديث الحريري للشرق الأوسط والذي برأ فيه سوريا من دم الشهيد الرئيس كان عنوان السقوط في الهاوية فلم يكن هذا التصريح مبرراً حتى في حالة عدم تورط نظامها بشكل مباشر في جريمة الإغتيال فالكل يعلم أنها كانت الآمر الناهي في لبنان طوال عقود من الزمن وأن ذراعها الأمنية والإستخباراتية متغلغلة في كافة مفاصل الساحة اللبنانية وبالتالي فإن إحتمال مسؤوليتها بشكل أو بآخر وارد كما أن النظام السوري كان على خلاف مع الرئيس الشهيد ومن الطبيعي أيضاً أن حليفها "حزب الله" المتهم بالجريمة لا يمكن أن يقدم على هكذا عمل بدون الحصول على الموافقة أو على الأقل عدم الإعتراض فلا دعم يمكن له الوصول إلى الحزب حتى من إيران دون مروره عبر الجارة سوريا ثم أن التوقيت لم يكن موفقاً فهناك محكمة دولية تستعد لإصدار قرارها الظني ... فهل كان الحريري على قناعة تامة بما تضمنه حديثه ؟ أو أن ما جاء على لسانه وإختيار هذا التوقيت كان متعمداً لعلمه بحيثيات القرار وعدم تضمنه للنظام السوري فأراد بذلك أن يستبق صدوره ويبادر من تلقاء نفسه للإعتذار حتى لا يكون في موقف محرج داخلياً وخارجياً بعد كل إتهاماته السابقة وهو بذلك وبحسبة سياسية يعتقد بأنه قد ينجح في إحداث خلخلة في العلاقة بين هذا النظام والحزب أو كأضعف الإيمان قد يفلح في فك الإرتباط بينهما بالنسبة لمسألة الإغتيال وتحييد النظام السوري بحيث يترك الحزب يواجه نتائج القرار دون أن تتأثر العلاقة المتنامية إيجاباً بين لبنان وسوريا وبمعنى آخر هل نستطيع القول أن الإبن المكلوم يريد أن يتنازل عن ثأره لدى النظام السوري للحفاظ على هذه العلاقة معه وتطويرها وفي مقابل تمكينه من الفاعل المباشر ؟ فمهما تحقق لحزب الله من دعم ومؤازرة من قبل إيران فالمهم إبقاء سوريا بعيداً عن ذلك فهي الجار العربي الذي لا غنى للبنان في كل الأحوال عن التعامل معه إقتصاياً وسياسياً وأمنياً ولكن مع ذلك فلم يكن من المناسب أن يكون تصريحه على هذا النحو الذي أظهر النظام السوري وكأنه حمل ٌوديع وأنه بريء براءة الذئب من دم يوسف (نأمل ذلك)فالقرار قد يوجه أصابع الإتهام للطرف الذي باشر تنفيذ عملية الإغتيال وهذا لا يعني أن الطرف غير المتهم رسمياً بريء فنحن نعلم أن مثل هذه القرارات تبنى على أدلة وشواهد وفي حالة عدم الكفاية قد يخرج المتهم من دائرة الإتهام ولكن هذا لا يعني البراءة المطلقة وخاصة عندما نكون أمام جريمة مثل التي حدثت وهناك أمور يمكن للمرء إستنتاجها من معطيات على أرض الواقع كما أسلفنا ولذلك فإن المبادرة إلى الحديث عن الخطأ في حق النظام الرسمي السوري وأهمية رد إعتباره كما جاء على لسان الرئيس المحاصر/سعد الحريري أمر غير مفهوم أقله في عالم السياسة وبعد كل الذي قاله في حق هذا النظام فقد كان بالإمكان ترك الباب "موارباً" أي أن يكون التصريح قابلاً للتأويل والتفسيرات المختلفة وبعد التعرف على طبيعة ردود الفعل يمكن توضيح التصريح بما يخدم الأهداف السياسية التي ينشدها تيار المستقبل والذي زاد الطين بله تناول الحريري للشهود الزور ودورهم في ذلك والذي تم فيما بعد إستثماره من الجانب الأذكى والأقوى فسارع إلى إقتناص الفرصة الذهبية التي جاءته كطوق النجاة الذي طال إنتضاره وتقديم لا ئحة مطالب أهمها وإن أخفاها تبرئة ساحته من الضلوع في جريمة الإغتيال وجعل ذلك حجةً له لبدء حملة إعلامية وسياسية شرسة أظهرته كصاحب حق أكثر من صاحب الحق المطالب بالحقيقة وبثأر والده بل وثأر لبنان بكل أحراره والوطنيين فيه .
ومع كل تعجبي وإستغرابي لهذه التنازلات والتحول الدراماتيكي في موقف الحريري الإبن من قضية والده ومن أعداء الأمس إلا أنني ألتمس له بعض العذر لأن خصومه على درجة عالية من الخبرة السياسية والمكر والدهاء كما أن القوة التي بين أيديهم وهذا الأهم جعلتهم يوجهون الأمور لصالحهم حتى وصلت لما وصلت إليه في مقابل خبرة متواضعة وضعف واضح وقد يكون العامل الأخير هو الذي يعيق القيام بالدور السياسي المطلوب في الحالة اللبنانية ولكن كيف لنا أن نفهم عدم توقع الحريري وفريقه لرد الفعل المضاد للطرف الآخر وتحديداً تجاه تصريح "صك البراءة" مما جعله يخسر حتى المعركة الإعلامية وهو يمتلك شبكة إعلام متنوعة تتيح له إمكانية المواجهة بقوة بل والتفوق الكاسح .
أعلم أن المشهد السياسي اللبناني معقد لكن أردت فقط تسليط الضوء على ملامح رئيسة فيه وبإيجاز ومن واقع ما حدث مؤخراً وقد يتسائل البعض عن دوافع كتابتي في شأن سياسي خارجي وأنا لست بكاتب يومي ولا علاقة لي بالسياسة وشئوونها فأقول أن العملية ليست سياسية صرفة وإنما تحمل في طياتها الكثير من الجوانب الأمنية التي وبدون الدخول في التفاصيل لها تأثير بصورة أو بأخرى على الإستقرار في المنطقة وسوف يزداد الوضع تعقيداً بعد صدور قرار المحكمة الدولية المرتقب وإذا ما ترك لحزب الله العنان ليستمر في صلفه وغيه وفي حال بقاء إيران الفارسية تسرح وتمرح دون رادع ومن جهة ثانية  فالحالة السياسية لأي بلد عربي قد تمتد آثارها السلبية لباقي الدول العربية وتحديداً المستهدفة عندما تكون هناك جهات إقليمية غير عربية لا عباً أساسياً فيها ولديها أجندة خاصة بها كما أنني متابع جيد لقضايا السياسة الدولية وبالذات ما يختص منها بعالمنا العربي والمملكة إضافة إلى أهمية أن نعرف الحقيقة المغيبة والتي تتمثل في المسئوول عن إغتيال الرئيس الحريري شأننا في ذلك شأن الملايين من الشرفاء في هذا العالم وقد يكون لنا نحن السعوديون رغبة أكثر في ذلك لأن مسرحية الإغتيال التي كان بطلها المزعوم "أبو عدس" أشارت إذا لم تُخطئِني الذاكرة إلى أن إغتيال الرجل كان بسبب عمالته للمملكة وأمريكا في محاولة بائسة ويائسة للتظليل والفتنة والإساءة لسمعة المملكة من خلال الزج بإسمها في جريمة سياسية بشعة وقذرة ومع دولة يُنظر له بعداء في معظم الدول الإسلامية ولدى عموم المسلمين في مختلف دول العالم بسبب دعمها لكيان عنصري يحتل أراضي عربية إضافة إلى ما أثارته بعض الأقلام المأجورة في الآونة الأخيرة من إتهام صريح للمملكة في عملية الإغتيال الآثمة .