أخبار العربية

جاءتني شاحبة حزينة وفجأة تبدل الحال


في موقف مهيب وفي ليلة صيف شديدة الحرارة حالكة الظلام جاءتني امرأة في منتصف العمر حسنة الهندام بيضاء فارعة الطول جميلة المحيا ولكنها مرهقة وشاحبة حزينة فسألتني ... ماذا يفعل من يعيش في وطنه وكأنه غريب أو يشعر أنه كذلك؟ فقلت: ما خطبك وعلاما هذه الغصة في صوتك؟ فقالت: أراني مهمشة ومستضعفة وعالة على ذاتي ومن حولي ودائماً أُتهم بالضعف والنقصان وأكون محوراً لعموم الخلاف والجدل في مجتمعي، كما أنني في كل شؤون حياتي مسيرة لا مخيرة وكلما أراد أحد مساعدتي ومناصرتي وإن على استحياء في قضايا عادلة وملحة بادر أعدائي وهم كثر بمنعه من ذلك بل وصب جام غضبهم عليه واتهامه بشتى أنواع التهم الجاهزة سلفاً وتظاهروا بأنهم يفعلون ذلك محبة لي وخوفاً علي منه ومن نصرته وإذا أخبرتهم أنني أنا من يبحث عن هذه النصرة وأنني بأمس الحاجة لها وأعلم بما أريد وما ينفعني ويضرني قالوا: أنتِ لستِ مؤهلة لمعرفة صالحك وليس من حقك طلب هذه النصرة إلا من قبلنا فنحن فقط القادرون على تحديد ما يناسبك وما هو في مصلحتك والأجدر بالتعرف على احتياجاتك وتلبيتها والوحيدون المؤهلون لتقييم وجاهة مطالبك وأهميتها وكل ذلك احتراماً وتبجيلاً لك فأنت الملكة الوحيدة في هذا العالم التي تحظى بكل هذا التبجيل فقُري عيناً وألزمي دارك فهذا فيه فلاحنا وصلاح أمرك ثم توقفت المرأة عن الكلام لبرهة وعادت لتسأل بحرقة ... كيف أكون ملكة رغماً عني؟ وهل يوجد ملك في حاضر الزمان أو غابره يتوج على عرش المُلك دون رضاه ويقرر أمره غيره؟

 فقلت: بالتأكيد لا يوجد ملك بهذه المواصفات ولكن هل يعقل أن يحدث هذا في بلادي؟ وهل يمكن أن يكون أعداءك كثر وبهذه العقلية والحماقة؟ فقالت: أما عن حدوثه فهو واقع نعانيه أنا وبنات جنسي منذ زمن بعيد ولا ألومك بعدم تصديق روايتي فأنت مواطن من الدرجة الأولى فكيف تشعر بمن هو أدنى وأقل؟ فضلاً عن أنها رواية يصعب تصديقها أما بالنسبة لكثرة أعدائي فقد لا يكونون بالكثرة التي أتخيلها ولكنهم حتماً من يتحكمون في مصيري فصوتهم الأقوى وفعلهم الأمضى وحماقتهم لا تحصى فقلت: الصبر جميل وبلادي وإن جارت علي عزيزةٌ فقالت: هذا في الشعر وخيال الشعراء أما أنا فقد ضقت ذرعاً وصبرت حتى مل الصبر مني وأريد أن أحيا ما بقي لي في حرية وكرامة فهل لديك غير ذلك؟ فقلت: يا بنت الوطن إن كان الحال مثلما تصفين دون مبالغةٍ أو تهويل فبئس الحال حالك والقوم قومك ولا حول ولا قوة إلا بالله وليس أمامك سوى أن تبحثي عن وطن بديل فقالت متعجبة: هذا قرار صعب ثم من كان غريباً في وطنه الأصلي فسيصبح أكثر غربة في الوطن البديل فقلت لها قد يكون ولكن الغربة في الوطن الأم أشد مضاضة وإيلاماً إضافة إلى أن المرء في هذا الوطن لن يشعر بالرضا ما لم يحصل على كامل حقوقه بينما قد يشعر بالرضا أو بشيء منه إذا ما نال بعضاً من حقوقه في الوطن البديل فبادرت المرأة بالقول: بهذا حججتني وكم كنت أتمنى أنني سمعت مثل ذلك من قبل فقد فات الأوان على أي غربة أو ارتحال ثم هل نسيت أنني امرأة لا تستطيع أن تسافر أو تختار؟
                
وفجأة وبعد أن استمر الحوار إلى اليوم التالي صاح المنادي: المليك يخاطب الشعب فاشرأبت الأعناق ووقف الجميع منصتين وما أن أعلنها صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض وقرر إتاحة المجال للمرأة السعودية للوصول إلى مجلس الشورى والمجالس البلدية حتى تبدل حال زائرتي فأصبحت أكثر شباباً وحيوية وتحول ظلام ليلتنا إلى وهج من الضوء وتبدل صيفها إلى ربيع ممطر فأستبشر الجمع وعمت الأفراح وأقيمت الليالي الملاح وتغنت البلاد برائد الإصلاح المليك المفدى مرددة لله دره تاجاً على رؤوسنا حامي الحمى وباني المجد وأدامه نبراساً لنا في الشجاعة وصفاء النفس وعدالة المنهج .
                                                                  
 وفي وسط هذا الفرح العارم والأجواء المفعمة بحب الوطن والأمل في مستقبل أكثر إشراقاً تتسلسل خفافيش الظلام لتحاول إفساد ذلك وتعكيره وخلق مناخ من البلبلة والتشكيك وبالرغم أنهم لا يعبرون بشكل صريح عن رفضهم لمضمون ومدلول هذه القرارات الإصلاحية لأنها صادرة عن قمة الهرم وأعلى سلطة في الدولة إلا أنهم يهمزون ويلمزون ويتحدثون عن وجود قضايا أخرى للمرأة أولى بالمعالجة والاهتمام، ولو أن الأمر توقف على مسألة الأولويات لأحسنا الظن بهم ولكن استرسالهم على هذا النحو دون الإشادة بهذه الخطوة الإيجابية وتجاهلهم أن من شأنها تمكين المرأة من المشاركة في تقديم الآراء والحلول العملية لكافة قضاياها أياً كانت أولويتها وأهميتها لأن صوتها سيكون حاضراً ومسموعاً إضافة إلى أن تركيزهم على عبارة الضوابط الشرعية وتأكيدهم على عدم ثقتهم بالالتزام بها يجعلنا نسيء الظن بهم وخاصة أنهم دأبوا على ذلك فهذا ديدنهم مع كل بادرة إصلاحية وتحديداً إذا كانت ذات صلة بهموم وشجون المرأة فإن لم يجدوا ثغرة ينفذون منها لإثارة الشبهات عمدوا إلى اسطوانة الأولويات والضوابط الشرعية غير المرعية وفقاً لتصورهم ولو كانت إحدى هذه الأولويات المزعومة هي المستهدفة بالإصلاح لكرروا ذات الإسطوانة وهذا يؤكد حقيقة مفادها أن الهدف من كل هذا الإدعاءات يتلخص في معارضتهم لأي تغيير في الواقع المألوف لديهم والذي يتوافق مع نمط تفكيرهم المتحجر والمتسلط وحرصهم الشديد على إعاقة أي تطوير في مجال عمل المرأة السعودية ومساهمتها في بناء مجتمعها ونحن هنا نسيء الظن في مثيري هذا اللغط وليس التُبع ممن أسلموا عقولهم الخاوية لمثل هذه الترهات الواهية فهؤلاء ضحايا لثقافة الرأي الواحد التي ظلت مهيمنة خلال عقود مضت ولن تعود.

وبعيداً عن هذا الجدل العقيم الذي يحركه هؤلاء الخفافيش وينشط غالباً في مواقع التواصل الاجتماعي فقد تأملت في هذه اللحظة الفارقة والحاسمة والمفصلية في تاريخ المملكة حيث أن ما بعدها لن يكون مماثلاً لما قبلها وتذكرت ما حدثتني به إحداهن قبل هذه الليلة بليال وفي خضم النقاش السائد حينها بشأن قيادة المرأة للسيارة وقد وافق حديثها ما يختلج في نفسي من شعور لم يغادرها أبداً وهو الأمل الكبير في شخص الملك بأن يحقق للمرأة ما تصبو إليه من مكانة تستحقها ومشاركة وطنية يجب أن تؤديها وحقوق أصيلة لا بد أن تحصل عليها دون منةٍ أو فضل من أحد وأن مقامه الوحيد القادر على مواجهة أعداء الدين والوطن من مُدعين ومزايدين ومرجفين ومنغلقين طال أمد تنفذهم وتسلطهم ومصادرتهم لحريات الناس وحقوقهم وحان الوقت لإيقاف ذلك أو إعادتهم إلى جادة الصواب راغبين أو كارهين صاغرين .