أخبار العربية

المواقع الإلكترونية وثقافة القص واللصق


من الملاحظ في الآونة الأخيرة إنتشار المواقع الإلكترونية الخاصة ونعني بذلك المواقع العائلية والقبلية وبالتأكيد أن هناك بعض الإيجابيات التي جاءت نتيجة طبيعية لوجود هذه المواقع من حيث تعلم أفراد العائلة والقبيلة للمهارات الأساسية في الحاسب الآلي وكيفية التعامل مع الشبكة العنكوبتية "الإنترنت" وخاصة إذا عِلمنا أن معظمهم قبل ذلك لم يكن على دراية بهذه المهارات وإنما كانت هذه المواقع حافزاً ودافعاً رئيسياً لذلك وهناك إيجابيات أخرى تتعلق بالتواصل بين أفراد العائلة والقبيلة الواحدة ومعرفة أخبارهم السارة وغيرها للقيام بما يمليه واجب القربى ولكن بالرغم من هذه الإيجابيات فإن الأمر لا يخلو من سلبيات بسبب ثقافة الأنا السائدة وغياب الوعي الحقيقي بأليات الحوار وإحترام الرأي الآخر فتجد أن الكثير من مرتادي هذه المواقع همهم الوحيد التواجد في كل موضوع مطروح دون أن تكون لديهم القدرة على المشاركة في النقاش حول هذا الموضوع بل يفتقرون إلى الأبجديات اللازمة لذلك فتجدهم يشرقون ويغربون ويكررون ما علق بذاكرتهم من أحاديث عامة أو آراء سطحية متداولة ومعظمها لا علاقة له بموضوع النقاش والأسوء منهم  من يبادر إلى الإختلاف فقط دون أن يقدم ما يدعم هذا الإختلاف ويبرره والأسوء من السيء من يحول الحوار بشأن القضية إلى هجوم شخصي والدخول في النوايا والأهداف حيث يتم تعميم هذا الأسلوب الوضيع حتى في القضايا المتفق عليها أو التي لا تتطلب أي جدل بشأنها وكأنما هو يختلف مع صاحب الموضوع أو من له وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظره فيتحول النقاش من حوار للقضية إلى حوار شخصي وجدل بيزنطي عقيم وسخيف فتجده ومن على شاكلته لا يقابلون الحجة بالحجة والدليل بالدليل والمشكلة الأعظم أن هؤلاء يتحدثون وكأنهم يملكون الحقيقة كاملة فهم لا يختلفون مع الآخر في الرأي إن كان لديهم رأي وإنما يحاولون أن يصادروا رأيه الأكثر وضوحاً ومنطقية من خلال الخروج عن لب الموضوع المطروح للنقاش أو إتهامه بالعلمانية ونحو ذلك من مصطلحات لا يفقهون منها حتى إسمها والبعض منهم يغيضه براعة المختلف معه في عرض براهينه وجمال أسلوبه اللغوي ولأنه لا يستطيع مجاراته يعمد إلى القول بأن هذا شأن الإعلاميين يجيدون تنميق الكلام وصياغته وكأن هذه تهمة بل هي شرفٌ لكل من يجيدها ومن الطبيعي أن الإعلاميين ليسوا جميعهم على مستوى رفيع من المقدرة البلاغية كما أن المسألة لا تتوقف عند تلك المقدرة فمناقشة قضايا الرأي العام لا تتطلب ذلك فقط وإنما تستلزم قدرات أخرى ومستوى معين من التفكير والتحليل والثقافة وإمكانية طرح آراء بناءة وواقعية لمعالجة هذه القضايا وإيجاد حلول مناسبة وعملية وهذه لا تتوفر لمن يجيدون فقط القدرة الإنشائية على الكتابة ولكن هؤلاء المتطفلون لا يفرقون بين فئةٍ وفئة لأنهم أقل بكثير من أن يدركوا هذه الفوارق على وضوحها كما أنهم يحلمون أن يصلوا إلى مستوى أي الفئتين فينطبق عليهم المثل القائل "اللي ما يطول العنب حامضٍ عنه يقول" .
ومن النقاط التي يجدر التطرق لها والتي نشأت بنشوء هذه المواقع والتي تفسر لنا ما سبق من حيث تطفل الجهلة وتجرأهم على مناقشة قضايا هم أبعد ما يكونون عن فهم المعنى العام لها ما يمكن أن نطلق عليه ثقافة "القص واللصق" حيث أن بعض اعضاء هذه المواقع لا يتقنون غير ذلك فتجدهم يتفنون في النقل الحرفي من المواقع الأخرى وهم ليسوا على دراية حتى بما نقلوه فحالهم مع فارق  التشبيه كحال من ورد ذكره في محكم التنزيل يحمل أسفاراً وفي إعتقادي أنهم لو كانوا أيضاً كذلك لكان حالهم أفضل فحامل الأسفار ربما يستفيد قليلاً من حملها .
وكل ما سبق يمكن أن يكون قاعدة (لا نعني تنظيم القاعدة والعياذ بالله فالجميع منه براء) في معظم هذه المواقع وإن أختلفت النسبة من موقع لآخر ناهيك عن الأهم من ذلك كله من التفاخر العائلي الممجوج والعصبية القبلية البغيضة وعندما نخص في هذا المقال المواقع الإلكترونية ذات الطابع القبلي أو العائلي فلأن الملاحظات الجوهرية السالفة الذكر تمثل فيها ظاهرة تستحق تشخيصها وإستبيان أسبابها بخلاف المواقع الأخرى المتخصصة حيث تكون نسبة هذه الملاحظات أقل بكثير والبعض منها كالعصبية والتفاخر معدوم وهذا أيضاً لا يعني بالضرورة التعميم أو عدم وجود نماذج إيجابية ومبشرة بالخير بالنسبة للمواقع موضوع المقال والتي نحمل للقائمين عليها كل التقدير والإحترام ونطالبهم في ذات الوقت وكلنا ثقة بأصالة معدنهم وكريم تجاوبهم بالحفاظ على سمعة مواقعهم من خلال تلافي هذه السلبيات وتطوير هذه المواقع نحو الأفضل أو على الأقل أن لا يتم التعرض فيها إلا للمواضيع والقضايا ذات الإهتمام العائلي والقبلي المشترك والتي تعزز الروابط الإنسانية والإجتماعية بين أعضاءها .
وفي كل الأحوال يجب أن نقول أن مشاركة المثقفين واصحاب الفكر في المواقع التي تتضمن السلبيات المشار لها أعلاه قد تحسب عليهم وتسيء لهم بشكل أو بآخر في حالة عدم إنتماءهم لهذه المواقع من قبل من لا يقيمون الأمور على حقيقتها ولا يضعون الرجال منازلهم وبالتالي فإنه من المناسب أن ينأوا بأنفسهم عن المشاركة في مثل هذه المواقع أما من شاءت أقدارهم بعكس ذلك لكونهم  محسوبون على العائلة أو القبيلة فإن مشاركتهم في البداية قد تكون مطلوبة بل وضرورية فأهمية التواصل الإجتماعي تحتم عليهم هذه المشاركة كما أن واجبهم يقتضي المساهمة في الإرتقاء بمستوى الوعي لدى أفراد العائلة والقبيلة من خلال مساعدتهم على معرفة أساليب وطرق الحوار الصحيحة وتزويدهم بالأفكار المستنيرة التي قد تضعهم على أول الطريق بالنسبة للتخلص من النمط التقليدي في النظر إلى قضايا الشأن العام وفي إعتقادي أن هذا من تواضع الكبار وكرم المثقفين الذين لا يبخلون بما حباهم الله من علم وفكر وثقافة ولا يحجمون عن الحوار مع أي شخص بهدف إفادته صغيراً كان أو كبيراً متعلماً أو جاهلاً صاحب فكر أو في رأسه حجر ولكن يجب أن يكون المثقف حريصاً على عدم الإسترسال بمقدار حرصه على إستفادة الآخرين من علمه وفكره إذا وجد أنه ينفخ في قربة مخرومة وأن حُسنَ صنيعه وتواضعه قد يأتي بنتائج سلبية أقلها أن يستدرج إلى مستوى من الحوار لا يتناسب مع إحترامه لذاته وإيمانه بفكره وواسع ثقافته وهو بمشاركته المؤقتة في هذه المواقع يكون قد قام بالدور المطلوب من المثقف ويكفيه ذلك .
هذا المقال نشر في صحيفة الرياض (النسخة الإلكترونية) ليوم الاربعاء 19 ذي القعدة 1431 هـ - 27 اكتوبر 2010م - العدد 15465وفي النسخة الورقية ليوم الجمعة 21ذي القعدة الموافق 29 أكتوبر وأعُيد نشره أيضاً في النسخة الإلكترونية في هذا التاريخ .