أخبار العربية

قدسية الفتوى ومرحلة ما بعد الشيخين

بعد أن هدأت العاصفة وخفت حدة الجدل بشأن الفتاوى الأخيرة للشيخين عبدالمحسن العبيكان وعادل الكلباني والتي أباح فيها الأول رضاعة الكبير والثاني الغناء بضوابط محددة أود القول بأن الرفض لهذه الفتاوى والتقليل من فقهية الشيخين مفهوم لأن الناس في مجتمعنا لم يألفوا مثل ذلك ودائماً ما كان التحريم سيد الموقف وحالهم هذا كحالهم أمام كل مستحدث تقني أو تطور ثقافي فهناك من يرفضه رفضاً قاطعاً وهناك من يرتاب منه ويثير حوله الشكوك حتى تتضح الرؤية ويصبح الأمر واقعاً لا مفر من التعامل معه كتعليم المرأة في بدايات تأسيس المملكة وتركيب أجهزة الإستقبال الفضائي التلفزيوني في العهد الحديث ولكن هذا التفهم لا يعني القبول أو حتى التفهم لكل أوجه هذا الرفض والتي وصل بعضها إلى درجة التشكيك في عدالة الشيخين ومصداقيتهما وأهدافهما لأنه بالتأكيد لديهما ما يستندان إليه من الشواهد والأدلة على الجواز والإباحة أو أن أدلة التحريم لدى من يرى ذلك ليست قاطعة بما يكفي لمنع أي اجتهاد فقهي مختلف كما أنهما وضعا شروطاً للإباحة ولم يتركا الأمر على إطلاقه وفي اعتقادي أنه لو لم يكن الحال كذلك لسارع "مُدعي" الحسبة برفع قضايا ضد الشيخين وإلا كيف نفسر هذا الهجوم الشرس دون الإقدام على هذه الخطوة المعتادة حيث سبق رفع قضايا ضد كتاب لمجرد أنهم أدلوا بآراء وفي قضايا الاختلاف فيها كان واضحاً ومبرراً ولاترقى لمستوى ما أقدم عليه الشيخان, وفي المقابل فإن التهليل لفتاوى الإباحة هذه وتحديداً الخاصة بإباحة الغناء والاستماع إليه وفق الضوابط التي أوردها الشيخ الكلباني أمر متوقع وله ما يبرره وهو يتقاطع مع ما أشرنا له أعلاه بخصوص تفهمنا للموقف الرافض فقد أعتاد السعوديون على أن جُل ما في حياتهم اليومية محرم وأعني بذلك ماله علاقة بالترفيه والترويح عن النفس من لعب الكرة والورقة (الكوتشينا) على اعتبار أن ذلك مضيعة للوقت ويأتي في هذا السياق التحريمي ولكن من وجه آخر الاختلاط في الأماكن ذات الطابع الترفيهي (ملاهي الحكير حالياً - مهرجان الجنادرية سابقاً مثال على ذلك) وما ليس حراماً في أصله لدى مشايخ التحريم فهو يؤدي إلى مفسدة وبالتالي فهو يكتسب حرمته من حرمتها وما يخرج عن هذا الإطار فهو يقترب منه ولذلك تجد من يتابع الناس في الأماكن العامة كالأسواق التجارية من أجل أن يعُد عليهم حركاتهم وسكناتهم ونظراتهم وابتساماتهم (الوضع الآن أفضل من ذي قبل والله يتمم على خير) وبالتالي فإنه من الطبيعي جداً أن يبتهج المحرومون والمغلوبون على أمرهم بمثل هذه الفتوى وتحديداً أن أغلب الناس يستمعون إلى الغناء ويطربون له سواءً بصفة يومية أو في المناسبات والأفراح ومن لا يستمع الآن فقد سبق له ذلك بل حتى الأطفال في سن مبكرة من أعمارهم يرقصون ويتمايلون عفوياً عند سماع الأغاني كما أن الشيخ الكلباني ليس الوحيد الذي أباح الغناء فهناك فقهاء آخرون معتبرون سبقوه إلى ذلك لكنهم غير سعوديين ولهذا السبب فقط لم يكن لإباحتهم أي صدى يذكر على الصعيد المحلي لأننا وللأسف نعتقد بأنه لا يوجد على وجه المعمورة من هو أكثر فقهاً وعلماً شرعياً أو حتى يجاري الفقهاء لدينا فنحن من نملك الحقيقة دون سوانا وإسلامنا لا بد أن يكون مختلفاً عن الآخرين (وفقاً لمقاييس الخصوصية السعودية).
ثم من البديهي أيضاً أن تلقى هذه الفتوى كل هذا التأييد وخاصة لدى المثقفين وأصحاب القلم والفكر فكيف لهم أن يبقوا أسرى لفتاوى متطرفة جعلت من صوت المرأة عورة إلى وقت قريب وحرمت التصوير والاحتفاظ بالصور التذكارية وفتاوى أخرى كرهت الناس في حياتهم حتى أصبحت بلا معنى فوجدنا شباب الوطن يهربون من هذا الواقع الكئيب إما بالتطرف ناحية اليسار وعالم الفوضى والضياع أو ناحية اليمين الأكثر ظلاماً وبؤساً فصار الموت في عيونهم أجمل من واقعهم فاختاروا طريق تفجير أنفسهم والانتحار طمعاً في حياة يحلمون بها للتخلص من حياة لم يحتملوها .
وبصرف النظر عن الموقف الرافض بعنف أو الموقف المؤيد بشدة فإن فتاوى الإباحة هذه صائبة كانت أم خاطئة هي اجتهادات شأنها شأن فتاوى التحريم ولكنها من وجهة نظري أكثر جدوى لأنها تسببت في حراك فقهي إيجابي وأزالت القدسية المصطنعة عن الفتوى فلم يعد الوضع كما كان سابقاً حيث أنه بمجرد صدور فتوى تعجل صاحبها أو أصحابها بإطلاقها يُسلِم الناس بذلك ومن لديه تساؤل حولها أو رأي بشأنها لعدم منطقيتها أو لعدم كفاية وقوة الأدلة التي بنيت عليها أو لوجود فتاوى أخرى غير محلية تتعارض معها لا يجرأ على أن يتفوه بكلمة واحدة وإن حدث فالويل له والثبور وعظائم الأمور ويكون بذلك عدواً للإسلام والمسلمين ويريد إفساد الأمة ثم أن الأجمل في هذه الفتاوى أنها صدرت من أُناس مشهود لهم بالفقه والورع وعدم المحاباة والأكثر أهمية أنهم ينتمون إلى المؤسسة الدينية بشكل أو بآخر إما من خلال مواقعهم الوظيفية أو مكانتهم الشعبية ,فشكراً للشيخين بصرف النظر عن قناعتنا من عدمها بما أفتوا به فالشكر لهما على هذه المرحلة الجديدة التي أسسا لها وعلى إبداء ما يعتقدانه دون وجل أو حساب لما قد يخسرانه على صعيد الجماهيرية التي يسعى لها الكثيرون في أوساط العامة وعلى تحملهما في سبيل ذلك لكل هذا الهجوم والقدح .

هناك 12 تعليقًا:

  1. جبتها يا بطل

    سالم الفيفي

    ردحذف
  2. متاسف نسيت السلام فهذه اول مره ازور مدونتك اخوي فهد مساك الله بالخير والمدونة اكثر من رائعة

    سالم الفيفي

    ردحذف
  3. الأخ الكريم/سالم وعليكم السلام وشكراً جزيلاً على الإطراء والمشاركة الطيبة,,,

    ردحذف
  4. اتقي الله في نفسك فرب كلمه تهوي بصاحبها في الدرك لاسفل من النار
    ناصر القحطاني

    ردحذف
  5. هذي عاداتكم تطبلون للفسق والمجون الاسلام باق وما يظره كلامكم يا علمانيين الله يا خذكم ويريح البلد من شركم وافكاركم الفاسده

    ردحذف
  6. شكراً يا ناصر على النصيحة وإن كانت في غير محلها لذا أُحيلك لقرأة ردي عليك في التعليقات الجانبية لتعرف حقيقة ذلك....غير معرف (ناصر)مافيه داعي لإعلان إسمك في المواعظ وإخفاءه عند الرغبة في التجريح وإطلاق الأحكام التافهة....نعم الإسلام باق ولن يضره الفهم الخاطئ لأمثالك وإن كان ذلك يشوه صورته الرائعة ولكن بكتابات أصحاب الفكر السليم سوف يتغير الواقع المؤلم إلى مستقبل أفضل,,,

    ردحذف
  7. الغناء مباح عند كثير من علماء المسلمين في احاضر والماضي واللي يشوفه حرام يحرمه على نفسه ويترك الناس وشانهم فيصل الجاسر

    ردحذف
  8. مرحبا فيك أخوي فيصل ويعطيك العافية على المشاركة البناءة,,,

    ردحذف
  9. مع احترامي لك اخوي فهد الغناء محرم باجماع العلماء والفتوى سقطة للكلباني

    بدر الحربي

    ردحذف
  10. أخوي بدر حياك....لا أعتقد أن هناك إجماع على تحريم الغناء أما من حيث أنها سقطة للكلباني فكلٌ ينظر للمسألة من زاوية خاصة به....شكراً لتواصلك,,,

    ردحذف
  11. الفاضل اخوى

    فهد سلمان

    اتقدم اليك بابلغ كلمات التاثر لاختراق المدونة الثرة ولهذا العدوان الغاشم ...الذى ان دل انما يدل على سواد القلوب وان الدنيا اصبحت ضيقة حرجه ..
    لك عزائى وعميق مواساتى لهذا الفقد
    ولا يوجد تبرير يبرر الغياب ويحفظ الجميل لك لسؤالك عنى غير ان شغلتونا دنيانا وظروفنا وسهل الله وعدنا ووجدناكم تزكرونا وتطرونا لبالخير وابدا ما كنتم من الذين طويناهم او تناسبيناهم باى شكل او حال

    فى الخاطر كنتم وبقى وفائنا دينا وحقا معاد بيبنايديكم
    اختك لمى هلول

    ردحذف
  12. عوداً حميداً بعد طول غياب وكل التقدير لمشاعرك النبيلة ولكن عذرك غير مقبول بتاتاً البتة فقد سألنا عنك كثيراً وكنا نشاهد مواضيع جديدة ولم تردي على تساؤلاتنا ولو بكلمة واحدة فإن كان هذا تغلي ودلال فيحق لك ذلك يا أخت العرب لكن ليس على هذا النحو الذي طال أمده وإن كان بضروف قاهرة مانعة فنسأل الله إنقشاع الغمة وعودة الهمة وإن كان تجاهلٌ أصله عتب وغضب من التدوين وأصحابه فحبذا لو عرفنا أسبابه حتى لا نعود إلى سابق العهد فتعاودين الكرة يا أبنة المجد فتصيبنا الحيرة وتبدأ من جديد السيرة .

    ردحذف

حاور برأي واعي وفكر مستنير وفقاً لمبدأ كل أمر يجوز فيه الإختلاف مالم يكن من الثوابت الشرعية وأختلف وناقش كيفما تريد ولكن في إلإطار الموضوعي وبعيداً عن التشخيص والتجريح وأعلم أن الإساءة ليست من دأب الكرام وهي مردودة على صاحبها وكل وعاءٍ بما فيه ينضح وتذكر قول الحق سبحانه وتعالى{مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.