أخبار العربية

يوم الوطن وتحريض قناة المجتمع السعودي

بالتأكيد يوم الوطن يوم غير عادي يوم يستحق أن يكون خالداً مخلداً في ذاكرتنا لعظمته ولأنه كان تحولاً تاريخياً في حياة أمة نقلها من مرحلة إلى مرحلة مختلفة جذرياً من مرحلة الشتات والصراعات القبلية والمناطقية إلى مرحلة الدولة والبناء، ولكن في هذا المقال لن أسهب في الحديث عن يوم الوطن من خلال وصف هذا اليوم ودلالاته وأهمية الاحتفال فيه فهذا أمر قد تعرضنا له في مقالات نشرت سابقاً، كما أن جميع الكتاب قد أشبعوه وصفاً وتغزلاً وتحليلاً، وإنما سوف أتطرق إلى من أصبح همهم الأول تعكير صفو الوطن والتنكيد على الناس في أفراحهم بطرق ووسائل شتى فهم تارة يحرمون الاحتفال بيوم الوطن باعتباره بدعة وتشبهاً بغير المسلمين وتارة أخرى بحجة الاختلاط بين العوائل في مثل هذه المناسبات، ومن جهة أخرى يعلنون رفضهم لهذا اليوم والاحتفال به بذريعة ما يحدث في سوريا الشقيقة من مذابح ومجازر فهم يكثرون من التباكي والعويل والتهويل ويرتفع صوتهم عالياً تزامناً مع كل حلول لعيدنا الوطني بل وحتى المهرجانات والفعاليات الثقافية، وقد ألجمهم خادم الحرمين الشريفين "حفظه الله" بأمره السامي والقاضي بإلغاء أي احتفالات في كافة مناطق المملكة، ولكنهم استمروا في غيهم من خلال التفتيش في قضايا الوطن وهموم الناس وجوانب القصور في الخدمات حتى يصرفوا العامة عن الاهتمام برمزية هذا اليوم بل ويشحنونهم ضد الوطن بالقول أنه لم يقدم شيئا يذكر لكي نحتفل بيوم وحدته وانطلاقته، وهذا يدل ليس على ضحالة تفكيرهم ووهن منطقهم فحسب بل على خبث طويتهم وسوء سريرتهم وأن وراء الأكمة ما وراءها فالإنتماء للوطن لا يقاس بحجم ما قدم وهو ولاء للأرض والتاريخ فبئس ما يقولون، وكل هؤلاء تمثلهم وتروج لأطروحاتهم عبر الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" ما يسمى( قناة المجتمع السعودي) والتي أقل ما وصفت به يوم الوطن وبالحرف أنه يوم بئيس ويوم خزي، وقد سبق لها أن هللت وحمدت الله على حريق جامعة الأميرة نورة (تبا لهذه القناة فهي الخزي والعار بهذا التحريض وبهذا الوصف المُشين) ويجب أن ينظر في أمرها فهي قناة فتنة وتحريض وتسعى لفرض وصايتها على المجتمع والدولة أيضا لكن هيهات لها ذلك فقد شب المجتمع عن الطوق والدولة أقوى مما يتخيل القائمون على هذه القناة وأتباعها وإن صبرت عليها حتى الآن فلحكمة تراها ولحلمها المعهود.

وهكذا فإن المتمعن في هذه المبررات المتعددة والمتناقضة والواهية يدرك بشكل جلي غير قابل للشك بأن هؤلاء ليسوا حسني النية ولا ينطلقون من بُعد ديني فقط، وإنما هدفهم الرئيس إثارة العامة ضد الدولة والتقليل من أهمية هذا اليوم لإضعاف الشعور بالولاء والانتماء للوطن لأن هذان العاملان هما صمام الأمان لبقاء هذا الوطن قوياً متماسكاً وغير خاضع لأجندتهم العلنية والخفية فهم يسعون جاهدين ويحثون الخطى لتحقيق مشروع ظلامي يحلمون به ولا يتورعون عن انتهاج أي أساليب وافتراء كل الأكاذيب من أجل بلوغه، والدليل على أن المسألة تتجاوز البُعد الديني الذي يتعلق بتحريمهم الاحتفال بهذا اليوم وأنه بدعة مستحدثة إضافة لرفضهم الدائم لأي تواصل اجتماعي بين الناس في الأماكن العامة لأنه يمثل بالنسبة لطريقة تفكيرهم اختلاطاً وفساداً ومفسدة هو قيامهم بتجييش مُدعي الاحتساب أفراداً وجماعات والتنادي لذلك علانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي(تويتر والفيس بوك) وكأنهم يتنادون ليوم الزحف العظيم أو لغزوة مباركة أو فتح إسلامي مبين فيسارعون إليه ويتنافسون عليه، وبالتأكيد فإن هذه الفئة ليس هدفها إنكار المنكر الذي تدعيه بل إحداث البلبلة وإثارة الرأي العام وإلا كيف يتجاهل أصحابها ويتناسون وجود جهاز نظامي مكلف بأداء هذه المهمة فهم يتواجدون حتى أثناء تواجده في عين المكان وهو ليس بحاجة إلى مشاركتهم لأنهم يسيئون إليه وإلى الشعيرة الإسلامية التي يضطلع بأداءها، ولذلك فإن هذا التواجد الظاهر وعدم منعهم من قبل منسوبي هذا الجهاز يثير التعجب والتساؤل.

ولتفنيد الإدعاءات أو الحجج السابقة نقول لهؤلاء أن البدعة هي ما يتم إضافته للعبادات أو أركان الإسلام أي أن يستحدث الناس أمراً جديداً فيها، وهذا لا ينطبق على إظهار الفرح في مناسبة وطنية لأنها شأن من شئون الدنيا وإن كان المقصود في اعتبارها بدعة تسمية البعض لها بالعيد الوطني وأن أعياد المسلمين عيدان لا ثالث لهما نجيبهم بأن هذه التسمية مجازية، كما أن المتعارف عليه إعلامياً وشعبياً لدينا بأنه يوم وطني فقط، وأيا تكن التسمية فالمهم أن أحداً لم يقل بأنه مناسبة دينية أمر بها الشارع وجاء بها الإسلام.

أما من يقول أن هذا تشبه بالدول غير المسلمة فهذا أمره عجب عجاب آلا يوجد في حياتنا الكثير من المشتركات الأخرى مع هذه الدول من مناسبات ومركب وملبس وغيرها من أمور الدنيا فكفانا خصوصية لا محل لها من الإعراب.

وبالنسبة لمن يقولون بحرمته لما يحدث فيه من اختلاط بين الناس نقول لهم وأين المشكلة في ذلك بل وما هو الجديد أليس الاختلاط قائماً به وبدونه وقبله وبعده ثم هذا تقارب وتجمع محمود وهو من الاختلاط الذي لا شبهة فيه فالناس يتواصلون في أماكن عامة ومحترمة ويعبرون عن بهجتهم في مناسبة وطنية جديرة بذلك، ولا يوجد في الأمر خلوة وهذه سنة الحياة وحكمة الخلق قال تعالى :يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ فكيف يحدث التعارف دون هذا الاختلاط والتواصل، وإن زعم البعض أن ما يحصل من تعبير عن الفرح بصورة غير لائقة أحيانا من قبل بعض الصبية والمراهقين هو مبرر هذا التحريم نقول بأن هذا غير صحيح لأن هؤلاء يرفضون هذا الاختلاط بالمطلق حتى لو لم تحدث هذه التصرفات الصبيانية والتي وإن وقعت فهي نادرة ومحدودة ولا يقاس عليها وهي أيضاً تحدث في أي وقت وليست مرتبطة حصراً في هذا اليوم، ومعظم هذه التصرفات ليست بالسوء الذي يدعون وهي تتناسب مع المرحلة العمرية لمرتكبيها، وفي كل الأحوال هناك جهات معنية بحفظ النظام ومحاسبة كل متجاوز، كما أنه ليس منطقياً ولا عدلاً أن يحرم الغالبية العظمى من أبناء الوطن من الاحتفال بيومه المجيد لأن قلة من صغار السن أو الجهلة يرتكبون بعض السخافات وإلا فإنه يمكن أن يسري هذا الحرمان على العديد من الأنشطة بل وما نستخدمه من وسائل خدمية مثل السيارات والهواتف الجوالة ونحوها فجميعها تستخدم من قبل البعض بصورة سيئة تتجاوز ما يحدث في اليوم الوطني الذي أجد أنه مبالغاً فيه لغايات يروج لها الرافضون ليوم الوطن مثلما فعلوا ويفعلون دائماً في كل شاردة وواردة فهم يدلسون ويلبسون ويخلطون الحق بالباطل ويستغلون قضايا الناس ومطالبهم ويستثيرون عواطفهم حتى يغرروا بالسذج والبسطاء مستفيدين من مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب لنشر وتمرير أجندتهم ولإحداث أكبر تأثير ممكن، وكل ذلك من أجل كسب الشعبية التي يطمحون لها لتحقيق مشروعهم السالف الذكر والسيئ الصيت، ولهذا فإن على الجهات المعنية أخذ مثل هذه الممارسات المخطط لها بعناية والتي زادت وتيرتها مؤخرا بالجدية اللازمة وتجنيد العناصر البشرية المؤهلة أمنياً وشرعياً كل في مجاله لمتابعة ما يثيره هؤلاء من إدعاءات وشبهات والرد عليها وتعريتهم لكن يجب أن تتوفر لدى هذه العناصر القدرة البلاغية والإعلامية وقوة الحجة والإقناع وسرعة البديهة مع ضرورة التحري عن أي أنشطة سرية تمارس في الظلام.