أخبار العربية

تقنين الأحكام القضائيه بين الرفض والقبول

تفاءل الجميع بما تحدث به الشيخ عبدالمحسن العبيكان - عضو مجلس الشورى في أكثر من حوار صحفي حول وجود خطط لوضع تنظيم جديد خاص بإعداد مواد محددة يتم العمل بمقتضاها عند إصدار الأحكام القضائية، ولكن يبدو أن ذلك قد يكون حلماً بعيد المنال، والحقيقة أن المرء يتعجب من رفض البعض لسن مثل هذا التنظيم ودخوله حيز التنفيذ، وهناك من يوجه سيلاً من الاتهامات للقائمين على ذلك والمؤيدين له تصل إلى درجة الطعن في سلامة موقفهم وأنهم يستهدفون النيل من مكانة التشريع الإسلامي، ولو تأمل هؤلاء قليلاً في واقع الحال بالنسبة للتناقض الواضح بين الأحكام القضائية بين محكمة وأخرى بل وبين قاضٍ وآخر في محكمة واحدة لأدركوا كم هم ظالمون لأنفسهم ولمجتمعهم، فالمتمعن في هذه الأحكام يلاحظ أن هناك تفاوتاً وتبايناً كبيراً وتحديداً في مدة المحكومية الخاصة بالسجن وأيضاً التعزير مثل الجلد وخلافه في قضايا متشابهة ومتماثلة في كافة التفاصيل وأحياناً يكون الحكم مخففاً في ظروف تستحق الشدة، ومغلظاً ومبالغاً فيه في قضايا أقل خطورة على المجتمع ومرتكبوها أحدث سناً وليس لديهم سوابق في عالم الإجرام، والأمثلة على ذلك كثيرة والحصول عليها من أرشيف وزارة العدل والمحاكم لا يتطلب أي عناء أو مشقة، ولكن أود في هذا السياق أن أستشهد بحادثة واحدة تم نشرها في الصحف المحلية قبل عام أو أكثر والتي وقعت في محافظة الطائف عندما أقدم شخص يعمل إماماً لأحد المساجد على قتل صهره والد زوجته عندما حاول الأخير الاعتداء عليه بسلاح أبيض، وبعد النظر في القضية من قبل أحد القضاة وحيثياتها لمدة زمنية طويلة أعتقد أنها بلغت ثلاث سنوات صدر حكم قضائي بالقصاص وصدق الحكم من هيئة التمييز، ولكن تمكن المحكوم عليه من رفع التماس للمقام السامي، فصدرت التوجيهات الكريمة التي تقضي بإعادة النظر في القضية، وبناء عليه أحيلت القضية إلى قاضٍ آخر يعمل في ذات المحكمة التي ينتمي لها القاضي الأول وأصدر حكماً قضائياً برد الدعوى وليس للمدعين سوى التعويض المادي. والجدير بالذكر أن هذا الحكم لم يستغرق نفس المدة الزمنية التي استغرقها الحكم الأول، وتمت المصادقة على هذا الحكم من هيئة التمييز، هذا ما نشرته الصحف المحلية ومن خلال لقاء مع المعني بهذه القضية، ولم يتم تفنيد مضمون هذا اللقاء من قبل الجهات ذات العلاقة، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد وبغض النظر عن أي الحكمين أصوب.. لماذا هذا التمايز والاختلاف في الحكم بشأن قضية من المفترض أن تكون من أكثر القضايا وضوحاً نظراً لورود نصوص شرعية في الكتاب والسنة تنص على مثل هذه الحالات، إضافة إلى وجود عدد كبير من شهود العيان ممن كانوا يؤدون فريضة الصلاة، فإن كان هذا هو الحال في مثل هذه القضايا البالغة الحساسية والخطورة والوضوح في آن واحد فكيف هو حال بقية القضايا التي تختلف عنها من حيث طبيعتها وخصائصها في ظل عدم وجود نظام لتصنيف القضايا الجنائية والأخلاقية والحقوقية ومختلف القضايا الأخرى بصورة دقيقة مع بيان العقوبات المترتبة عليها، وهذا لا يمنع من وجود هامش من الاجتهاد لدى ناظر القضية شريطة ألا يؤدي ذلك إلى تفاوت غير مبرر وبنسبة عالية يشعر فيها المحكومون بالظلم وعدم العدالة وسوء الحظ.

المقال أعلاه نشر في صحيفة الرياض بالعدد (13874) وتاريخ 23/5/1427ه.


هناك 4 تعليقات:

  1. نحن بحاجه شديده لآليات جديده في النظام القضائي وبالذات في وضع ظوابط وقوانين محدده

    علي الغامدي

    ردحذف
  2. نعم هذا ماأشرنا له في المقال فشكرا لتعليقك الطيب وفهمك الراقي ....بورك فيك,,,,,

    ردحذف
  3. الاستاذ الفاضل

    قرات الموضوع تمعناوتفكرا
    من زمن وانا كلما اتابع بعض القضايا والاحكام كنت استغرب كثيرا واتعجب ...
    ولما تغلغلت كثيرا خرجت ببعض النتائج
    طبعا فى المقام الاول نتمنى من كل قلوبنا ان يصدر هذا التقنين المهم جدا والتى اهم شىء احب ان اشير اليه وهو القوانين الوضعية المنبثقة مع نصوص الشريعة طبعا والمحترمة للعرف السائد
    براى ان القضية شائكة وهى اوسع بكثير من مجرد رد من سيادة عضو مجلس الشورى فقط الموضوع يحتاج الى دراسة شاملة كالدراسات الجدوية والدراسات الاحصائية تتغلغل فى قلب الدولة يمساحتها لكى يتم مثل تلك المواضيع وعلى اسرع وقت ممكن فما يحدث من صدور احكام بههذ الصورة الجزافية المسرعة لا يتناسب مع الشريعة التى وجدت لتهذب كل النفوس وتقطع دوافع الثار والضغينة من العباد ..
    القانون الشريعى البحت هو فى رائى الذى السائد بدون اى تبويب ..
    فمثلا يفتقد قانون الاثبات الذى اهم اصل فيه خاصة فى جرائم القتل بانواعه ان يكون فوق درجة الشك المعقول - ولكل حالة حالة خاصة وحتى ان توصل القاضى الى النطق بالحكم فالقصاص مرتبة بعيدة جدا عن عنق الجانى حتى يستنفذ كافى طرق التظلم والاسترحام والعفو المنصوص عليها
    واما عن قانون الاحوال الشخصية الذى يعالج مشاكل الطلاق فحدث ولا حلاج والله ليحزننى جدا الفرق الشاسع الذى لمسته للتظلم فمثلا المراة التى بلغت من الضرر ما بلغت اندهشت عندما وجدت انه من اهم ركائز يستند اليها موضوع طلاقها مثلا وهو الشىء الذى سياخذ به القاضى ان تحلف بان زوجها كافر لانه لا يصلى ابدا فيفرق بينهما لا للقضية الاصلية ولكن لعدم صلاحية الزواج بعدم ادائه الصلاة ...
    اما عن الاطفال فحدث ولا تقل القانون لا يلقى بالا لتلك الفئة المهمة ابدا بل اشعر بان وصمة الطلاق شبيهة تمام بوصمة الزنا فلا ترى ابنائها ولا يعرفونها بل تمنع ويحرموا منها وللاسف كل هذا تحت بصر وسمع القضاء ...
    فالقانون يجب ان يكون مرن يناسب كل الافراد الموجودين فى نفس الرقعة كما يجب ان يكون محمى بنصوص ثابته مرتبة بهيكل تسسلى لا لبس فيها ولا محسوبية ...
    لايهم ان لم يعدم الجانى رغم كل الاصابع تشير اليه حتى تثبت القران ذلك فليس الموضوع اقتصصا فقط ولكن عدالة ثم اقتصاص ..
    ليس عيبا ان تطلق المراة ولكن العيب انها لا تعطى الفرصة للمثول اما القاضى ونقل كل ما لديها فقط ترد على اسئلة القاضى فتعامل مثلها مثل الجانى

    موضوع ذو شجون لانه مجال عملى ودراستى واتمنى ان اجد فرصة لاعقد مقارنة بين القانونين ..

    واتمنى صدور هذا التقنين عاجلا غير اجل ..
    تقبل مرورى
    لمى هلول

    ردحذف
  4. الأخت/لمى شكراً جزيلاً لمرورك العطر ومشاركتك الهافة ولم أعرف المقصود بالمقارنة بين القانونين هل هي المقارنة بين قانون الأحوال الشخصية وأي قانون آخر معمول به في المملكة أوالمقارنة مع قانون مشابه في بلد آخر ....على العموم من تعليقك يتبين أنك من دارسي القانون أتمنى لك التوفيق في حياتك العلمية والعملية وتقبلي خالص تحياتي،،،،

    ردحذف

حاور برأي واعي وفكر مستنير وفقاً لمبدأ كل أمر يجوز فيه الإختلاف مالم يكن من الثوابت الشرعية وأختلف وناقش كيفما تريد ولكن في إلإطار الموضوعي وبعيداً عن التشخيص والتجريح وأعلم أن الإساءة ليست من دأب الكرام وهي مردودة على صاحبها وكل وعاءٍ بما فيه ينضح وتذكر قول الحق سبحانه وتعالى{مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.