أخبار العربية

ماذا بعد رزان؟


تابعت ببالغ الأسى وشديد الحزن ما نشر في الصحف المحلية، وما تم عرضه في البرنامج التلفزيوني «دوائر» الذي يبث عبر قناة الإخبارية قضية الطفلة رزان التي ذهبت ضحية خطأ طبي فادح وغير مبرر، وانعدام المسؤولية الإدارية المطلوبة في مثل هذه الحالات، والحقيقة أنني لا أود الخوض في تفاصيل هذا الحدث الجلل، ولكن أود أن أسأل من يعنيهم عدم تكرار مثل ذلك عن ماهية الإجراءات المتبعة للحد من هذه الأخطاء القاتلة وهل يتخذ بحق مرتكبيها العقوبات الإدارية والمالية المناسبة، وتحديداً أن هناك العديد من هذه الأخطاء ناتجة عن اهمال واضح أو عدم تطبيق المعايير الإدارية الصحيحة، وفي هذا السياق قد يقول البعض ان الأخطاء الطبية واردة وطبيعية، وهذا صحيح ولكن أن تحدث هذه الأخطاء عند إجراء عمليات بسيطة، وعند حدوثها وبداية التحقيق في ملابستها يتم انهاء عقد الطبيب المعني بالقضية إذا كان من المقيمين أو منحه إجازة لا رجعة منها وذلك من أجل حمايته من المساءلة القانونية، وحتى لا يؤدي ذلك إلى كشف المزيد من القصور في الجوانب الأخرى لدى إدارة المستشفى، وقد وقع هذا الأمر أكثر من مرة، وأحدثها عهداً ما تعرضت له امرأة سعودية أثناء إجراء عملية ولادة قيصرية حيث تم نقل دم ملوث لها ولوليدها وعند اكتشاف الحالة جرى ترحيل المدير الطبي لبلده والذي كان مسؤولاً عن عدم العمل بالإجراءات اللازمة للتأكد من سلامة المتبرعين بالدم وخلوهم من الأمراض التي تمنع الاستفادة منه، والأدهى من ذلك أن اللجنة الطبية التي تشكلت للنظر في هذه القضية قررت أن يتم تعويض زوج المرأة بمبلغ (250,000) ألف ريال، بالله عليكم ألا يثير هذا القرار في نفوسكم الدهشة والمرارة في آن واحد، فهل يكفي هذا المبلغ نفقات العلاج أو يؤدي إلى تعويض الزوج وزوجته وطفلهما ما لحق بهما من أضرار نفسية وصحية واجتماعية، ثم لماذا لم يتم ايقاف العمل بالمستشفى ولو لفترة معينة من الزمن؟ ولماذا لم يتم محاسبة المسؤولين بالمستشفى، وفي مقدمتهم من أتاح للمدير الطبي مغادرة البلاد قبل انتهاء مجريات التحقيق؟ ولماذا ولماذا ولماذا؟ ألا تستدعي هذه التجاوزات إعادة النظر في طريقة عمل اللجان الطبية التي أثبتت فشلها الذريع وتحيزها الفاضح لزملاء المهنة، ألا يتطلب ذلك اجراء تغييرات جذرية في الآلية التي يتم بموجبها العمل الإداري إضافة إلى تفعيل الإجراءات المتبعة من قبل الإدارة المعنية في وزارة الصحة للتثبت من صدقية الشهادات الطبية الممنوحة للأطباء العاملين في وزارة الصحة والمستشفيات التابعة لها، أو الذين يعملون في القطاع الطبي الخاص، وأن تطبق بحق المخالفين ومن قام بتشغيلهم عقوبات رادعة، ومن المثير للعجب بأنه وبالرغم من ثبوت وقوع الخطأ الطبي فإنه لا يحق لأي صحيفة أو مجلة ذكر اسم المستشفى الذي حدث فيه هذا الخطأ وفق نظام المطبوعات والنشر والذي لا يجيز ذلك لأنه يأتي في إطار التشهير، وفي اعتقادي أنه لو كان العكس فإن المسؤولين في هذا المستشفى سوف يحرصون على عدم وقوع هذه الأخطاء من خلال اتخاذ الإجراءات التي تحول دون ذلك، وإن حدثت سيكون تعاملهم معها أكثر جدية نظراً لما قد يترتب على عملية النشر من التأثير على سمعة المستشفى، ومن ثم حدوث رأي عام سلبي يؤدي إلى الحاق الكثير من الخسائر المادية، وفي هذا السياق فإن المرء يتساءل عن دور وزارة الصحة حيال الأخطاء الطبية التي تقع في المستشفيات التابعة للقطاعات العسكرية، ولماذا لا يتم ربط هذه المستشفيات إدارياً وفنياً بوزارة الصحة؟ رحمك الله يا رزان.. وألهم ذويك الصبر والسلوان.. لقد أبكيت عيوناً وأدميت قلوباً.. نأمل أن يكون من بينها عيون وأفئدة المسؤولين في وزارة الصحة الذين نسألهم ماذا بعد رزان؟.


المقال أعلاه نشر في صحيفة الرياض في يوم الجمعه الموافق 6/5/1427ه

هناك 6 تعليقات:

  1. رحم الله رزان وعوض أهلها خيرا ولقد أبكيتنا ياأستاذي بهذه وحركت فينا مشاعر الأسى والحزن .

    سعيد الأحمري

    ردحذف
  2. الله يسكنها فسيح جناته ــ رفقا بنا ياعزيزي فقلوبنا متعبه

    نجود السبيعي

    ردحذف
  3. الأخ سعيد والأخت نجود هذا من طيب معدنكم ونبل مشاعركم ...بورك فيكما وسلامة قلبك المتعب ياأخت نجود،،،،،،

    ردحذف
  4. بالفعل كانت مآساة رزان فاجعه للجميع وبدايه لفتح ملف الإهمال الطبي واللامبالاه رحمها الله .


    أمل الفالح

    ردحذف
  5. الأخت /أمل ماذكرتيه عين الصواب فحسب معلوماتي أنها القضيه الوحيده على صعيد الأخطاء الطبيه التي تم تناولها في الصحافه والتلفزيون ليس على شكل خبر وإنما بمختلف الأشكال الإعلاميه ...وكان لقناة الإخباريه دور بناءومؤثر في عرض القضيه ،،،

    ردحذف
  6. مقال مؤثر وضع النقاط على الحروف وصورة تدمي القلب وتدمع لها العين

    فتون العنزي

    ردحذف

حاور برأي واعي وفكر مستنير وفقاً لمبدأ كل أمر يجوز فيه الإختلاف مالم يكن من الثوابت الشرعية وأختلف وناقش كيفما تريد ولكن في إلإطار الموضوعي وبعيداً عن التشخيص والتجريح وأعلم أن الإساءة ليست من دأب الكرام وهي مردودة على صاحبها وكل وعاءٍ بما فيه ينضح وتذكر قول الحق سبحانه وتعالى{مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.