أخبار العربية

يادكتور الهاشمي هل قدمت محاضرا أم محرضا ؟


في الوقت الذي يسعى فيه أهل الحل والعقد والعقلاء وأصحاب الفكر المستنير إلى نشر ثقافة الاعتدال والوسطية والاحتكام إلى المنطق، ونحن في المملكة في أمس الحاجة لمثل ذلك نظراً للمستجدات على الساحة الأمنية والاحداث الإرهابية المؤسفة التي شهدتها المملكة في الآونة الأخيرة، نجد في المقابل فريقاً آخر يغذي ثقافة التطرف ويكرِّس المفاهيم الخاطئة، ومن هذا المنطلق أخذت جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية على عاتقها مشكورة مسئولية العمل على مواجهة هذا الفريق من خلال عقد الدورات والحلقات والندوات العلمية التي تحث على التعامل مع الآخر على أساس الاحترام المتبادل والحوار العقلاني والفهم الصحيح والايجابي، وبناءً على ذلك عقدت الحلقة العلمية الخاصة بالاعلام الأمني ودورة في تصحيح المفاهيم وقد نجحت الجامعه في إختيار المواضيع التي تضمنتها وإدارة فعاليات الحلقة حتى حفل الختام، ولكن من الملاحظات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار هي أن بعض المحاضرين العرب بدلا من أن يعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة وهو الهدف الذي عقدت من أجله الحلقة ساهم في تكريسها وتعميقها دون أن يكون مضطراً لذلك فهناك العديد من الأمثلة التي يمكن أن يستشهد بها، وقد تمثل ذلك جلياً في أول أيام انعقاد هذه الحلقة عندما تطرق الدكتور محمد الهاشمي مدير عام قناة المستقلة إلى تصريح الرئيس الأمريكي حول الفاشية الإسلامية حيث اعتبر ذلك هجوماً على الإسلام واتهاماً له بالفاشية، وأن هذا ينم عن عداء متأصل للمسلمين والحقيقة إن هذا الرأي هو تحريف واضح فالرئيس الأمريكي لم يقل "الإسلام الفاشي" وانما قال المسلمين الفاشيين وهو لا يعني بذلك عامة المسلمين لانه كان يتحدث عن خطر الإرهاب الذي يواجه الولايات المتحدة والذي يتبناه فئة من المسلمين وبالتالي فهو يشير إلى المخططين والممولين والمنفذين للعمليات الإرهابية وهؤلاء تنطبق عليهم كافة المسميات والتوصيفات المشينة فإن كانوا في نظر الرئيس الأمريكي فاشيون فهم في نظرنا (فئة ضالة) و(إرهابيون) و(قتلة) و(مارقون) (وسفاكون للدماء) و(خوارج العصر)॥ الخ، ومن المفارقات أن يصدر هذا الرأي في حلقة علمية من أهم أهدافها تسمية الأشياء بمسمياتها الفعلية وبدون تأويلات واضافات أو اجتهادات وتفسيرات انفعالية غير دقيقة، ولا أدري ان كان هذا الرأي يعبر بصراحة عن وجهة نظر صاحبه أو انه ركوب لموجة تجييش المشاعر وكسب تعاطف عامة الناس للحصول على مكاسب معينة، وفي الحالتين فمثل هذا الرأي غير مناسب على الاطلاق مع احترامنا لصاحبه وذلك لأن بيئتنا الإسلامية والعربية على وجه التحديد تعاني من الفهم الخاطئ والتصورات المسبقة من قبل بعض أفرادها تجاه الآخر وتشهد نتيجة لذلك حوادث إرهابية مؤسفة، والتساؤل الذي أود أن أسمع اجابته من قبل الذين أغضبهم هذا التصريح يتمحور حول أسباب هذا الغضب غير المبرر من وجهة نظري، ولماذا يتم تفسير كل ما يصدر عن الآخر في اطار من الريبة والشك الذي يستعدي هذا الآخر بل ويقدم صورة سلبية عن العقلية العربية والإسلامية ثم إذا لم يكن هؤلاء الإرهابيون فاشيون فماذا يكونون، وهل هم رسل سلام، والأمر الأهم لماذا ظهرت مثل هذه العبارات في الوقت الحاضر، ولماذا أصبحت الشبهات تحوم حول المسلمين في المطارات ومحطات السفر وما إلى ذلك.. أليست التصرفات الصادرة من بعض أبناء المسلمين هي السبب الرئيسي في وجود هذه الشبهات وحدوث المضايقات بين فترة واخرى، والغريب أن الدكتور الهاشمي عندما تمت مناقشته في دلالات التصريح الأمريكي والمعنى الذي كان يشير اليه استمر في مكابرته واتهمنا بالدفاع عن الرئيس الأمريكي، ولعمري أن هذا أسلوب إقصائي ولا يتوافق مع دعواته التي يكررها كثيراً في برامجه والتي تنادي بحرية الرأي واحترام الرأي الآخر، وعندما شعر بأنه وقع في الفهم الخاطئ الذي جاء يحاضر من أجل تصحيحه قال لماذا يذكر الإسلام عند الحديث عن الإرهابين من المسلمين مستشهداً بما يقدم عليه بعض أصحاب الديانات الاخرى وخص المسيحية تحديداً، مؤكداً انهم مهما ارتكبوا من جرائم فلا تتم الاشارة إلى الدين المسيحي لا من بعيد أو قريب، والاجابة على هذا الطرح السطحي والذي يفترض آلا يصدر من أي شخص يعتبر نفسه مثقفاً يتمثل في أن مرتكبي هذه الجرائم لا يقدمون عليها تحت شعار الدين المسيحي، وبالصورة التي ينتهجها من يرفع راية قتال اليهود والصليبين والذين أيضاً يساوون بيننا وبينهم في ذلك فهؤلاء يتحدثون بإسم الإسلام والمسلمين عموماً، كما أن ورود كلمة "الإسلاميين" في التصريح الآنف الذكر كانت ضرورية لتحديد المقصود بهؤلاء الإرهابيين، وهم بالفعل ينتمون إلى الأمة الإسلامية وإن خالفت أفعالهم تعاليم الدين الإسلامي، وقد يقول أحدهم أنه قال "الفاشية" والجواب أن المعنى واحد، ومن بين ما تطرق له الهاشمي إقدام الولايات المتحدة على قتل المدنيين في العراق والبلاد الإسلامية الاخرى للمقارنة بين عدد المدنيين الذين قتلتهم القوات الأمريكية والذين قتلهم (الإسلاميون الفاشيون) ولا أدري ان كانت هذه محاولة للتقليل من خطر الإرهاب وهو يعلم أن هذا الخطر يستهدف أيضاً المسلمين الذين يبدو انه لم يضع لهم اعتباراً في مقارنته متناسياً أيضاً أن هؤلاء الفاشيون لا يملكون القوة الكافية لمزيد من القتل والتدمير، فإذا كان هذا حالهم وهم لا يملكون هذه القوة فكيف يكون حالهم لو توفرت لديهم، واياً كان أيهما فاق الآخر فإن ما أقدمت عليه القوات الأمريكية هو بالتأكيد مرفوض ولكن تتحمل مسئولية جزء كبير منه مافيا (الإرهاب المتأسلم) والسياسات الرعناء وغير الحكيمة لبعض من ابتليت بهم الأمة العربية والإسلامية من قادة وزعماء قتلوا من شعوبهم أو تسببوا في ذلك أكثر مما قُتل على أيدي هذه القوات، والجميع يعلم كيف كانت الولايات المتحدة وكيف أصبحت بفضل انجازات هذه "المافيا المجاهدة"، كما انهم لا يقتلون بأسم دين المسيح ولا يتباهون بقتل المدنيين فهم على الأقل يؤكدون دائماً محاولتهم تلافي ذلك، ويأسفون لوقوع ضحايا مدنيين، كما أن اخطاءهم الفادحة وفضائحهم الأخلاقية أثناء الحرب والإحتلال يتم نشرها من قبل وسائل إعلامهم، ولا تواجه بالنفي والإنكار وإنما يتم التحقيق فيها ومحاسبة المتورطين فيها، وإن إختلفنا مع حجم ونوعية العقوبة المترتبة على ذلك، وفي المقابل نجد أن "الفاشيين الإسلاميين يفاخرون بذبح المدنيين ويهللون ويرددون (الله أكبر) كثيراً عند الإقدام على نحر الأبرياء من المدنيين فهل يتساوى الفريقان هيهات.. وأنا هنا لا أحاول رسم صورة وردية عن الولايات المتحدة أو أقدم لها الذرائع والمبررات ولكن أحاول تشخيص الحالة وأبين أن هناك إزدواجية في الطرح وكيل بمكالين، وعدم نقد الذات كما ينبغي للوصول إلى حلول عملية لمشاكلنا الثقافية مع الآخر، اضافة إلى أننا نطلب من هذا الآخر ما لا نتقيد نحن به، كما أننا نبالغ ونضخم أخطاءه ولا نضعها في سياقها وفي الوقت نفسه نتجاهل أخطاءنا أو نختلق لها المبررات ونلبسها ثوب الإسلام، وقد قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.
المقال أعلاه نشر في صحيفة الرياض بالعدد (14021) وتاريخ 22/10/1427ه.

هناك 6 تعليقات:

  1. مقال رائع فيه الكثير من الوضوح والصراحه




    صالح العنزي

    ردحذف
  2. ياأخي هل يعقل أن لاترى إجرامهم في أفغانستان والصومال والعراق ولبنان والكثير من بلاد المسلمين...

    ناصر القحطاني

    ردحذف
  3. أعتقد ياأخ ناصر أن الكاتب لاينفي وقوع هذه الجرائم ولكنه ركز على إرتكاب الجرائم بأسم الدين والتفاخر بذلك وتحدث عن مضمون التصريح بعقلانيه بعيدا عن قائله

    صالح العنزي

    ردحذف
  4. الكاتب كان موضوعيا ومحايدا في طرحه والمقال جميل وجريء.

    ردحذف
  5. أكثر من أساء إلى الإسلام أبناءه والمحسوبين عليه.

    سعيد الأحمري

    ردحذف
  6. شكرا لكم جميعا على تفاعلكم البناءوياعزيزي ناصر لو تأملت في المقال جيدا لعلمت أنني لا أنفي هذه الجرائم ولكن هناك فرق بين مايحدث في الحروب بفعل إستخدام آلة الحرب التي قد تصيب أهدافا عسكريه أو تخطىء فتصيب أهدافا مدنيه ولو حدث تعمد في بعض الحالات من قبل أفراد فالسياسه العامه لاتؤيد ذلك وتستنكر وتعتذر وتحاكم بينما في الجانب الآخر المحسوب على الإسلام يتم الذبح والتفجير بشكل متعمد ومخطط له من قيادات هذه المجموعات ولمدنيين أبرياء وبإسم الله وشعار الإسلام وهنا مكمن المشكله وبيت القصيد...تقبل تقديري ومودتي .....العزيزين صالح وسعيد أوجزتم فكفيتم ..بورك فيكما.

    ردحذف

حاور برأي واعي وفكر مستنير وفقاً لمبدأ كل أمر يجوز فيه الإختلاف مالم يكن من الثوابت الشرعية وأختلف وناقش كيفما تريد ولكن في إلإطار الموضوعي وبعيداً عن التشخيص والتجريح وأعلم أن الإساءة ليست من دأب الكرام وهي مردودة على صاحبها وكل وعاءٍ بما فيه ينضح وتذكر قول الحق سبحانه وتعالى{مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.