أخبار العربية

حقيقة المؤامرة و المتاجرين بالإسلام


لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة على الإسلام، وأعني هنا المؤامرة المنظمة والموجهة والتي تأتي وفق سياسات واستراتيجيات محددة، ويحيكها فقط غير المسلمين، أما بالنسبة للمواقف والأقوال الفردية فهي من وجهة نظري تعبر عن آراء شخصية ناتجة عن سوء فهم أو ردة فعل أو نابعة من أحقاد في نفوس أصحابها، وهذه أمور موجوده لدى جميع الأطراف وإن أختلفت نسبتها من مجتمع لآخر، وإن كان المقصود بهذه المؤامرة سعي الآخر لإحداث تأثير في ثقافة الأمة الإسلامية والهيمنة على ثرواتها فهذه هي طبيعة الحياه البشرية فالأمم والدول القوية تحاول دائما الحفاظ على قوتها من خلال فرض سيطرتها وحضارتها على الشعوب الأقل قوة ونفوذاً ، وهذا الأمر يحدث في كثير من الأحيان تلقائياً على الصعيد الثقافي والحضاري نظراً للتمايز الحاصل بين الحضارات وقدرة البعض منها على التأثير أكثر ، أما على صعيد الهيمنة على الثروات فهو نتيجة لإختلال موازين القوى فالدول القوية تستطيع أن تفرض شروطها ، ويتم ذلك أحيانا كثيره بناء"على رغبة الدول الضعيفة إقتصادياً أوعسكرياً لتحقيق مصالح خاصه بها ، ولضمان حياة آمنة ومستقرة ، وحماية نفسها من دول أخرى مستبدة لاتؤمن بالمصالح المشتركة أوحق الآخرين في العيش بسلام ، ولاغرابة في ذلك فالتاريخ القديم والحديث حافل بالعديد من الأمثلة والشواهد التي تؤكد هذا النهج لدى كافة شعوب الأرض التي سادت في مرحلة معينة من الزمن ، وإن إختلفت الأساليب والوسائل والمبررات لتحقيق هذه الهيمنة في كل مرحلة ولدى أي من هذه الشعوب ،
وفي اعتقادي أن الحضارة الإسلامية المدونة في كتب التاريخ الإسلامي لم تخرج عن هذا الإطار، ولكن الذي يثير فينا الدهشة هو أن يحدث عكس ذلك بحيث تحاول الفئة الأضعف والأقل عدداً وعدة قلب المعادلة، وتوجيه العالم أجمع بالقوة والإكراه لتبني آرائها وقناعاتها التي تتعارض وروح العصر، وبأساليب لا تتوافق مع المرحلة الحالية وبصورة تفتقد الحد الأدنى من المنطق، وقد يقول البعض إن المؤامرة التي يؤمنون بها تتمثل في رغبة الدول الكبرى في إضعاف العالم الإسلامي وتقسيمه وتشويه صورة الإسلام، ومنعه من الانتشار، والحقيقة أنه لو صح ذلك فالمحرك الأساسي لهذه الرغبة المزعومة يكمن في الممارسات والسلوكيات غير الأخلاقية والتي تتنافى مع أبسط معاني الإنسانية فضلاً عن أنها مخالفة صريحة لقيم ومبادئ الدين الإسلامي والتي للأسف أقدم عليها فئة من أبناء المسلمين تحت ذرائع ومسوغات مختلفة، وفي هذا السياق ولكي أدلل على ما سبق أود أن أعود للاتهامات والحملة الشرسة التي شنتها أوساط ودوائر معينة في الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب أحداث أحد عشر سبتمبر، وكان من بينها أن مناهجنا التعليمية الدينية تحث على العنف، وأن هناك بعض الجمعيات الخيرية متورطة في تقديم دعم مادي لبعض الجهات التي ترعى الإرهاب وفي وقتها كانت الردود تتسم بالنفي المطلق لجميع هذه الاتهامات وأن الخمسة عشر سعودياً لا يمثلون الشعب السعودي ولا يعبرون بأي حال من الأحوال عن قيم وأخلاق المسلمين كما أن ثقافتنا ومناهجنا بريئة براءة الذئب من دم يوسف مما ارتكبه هؤلاء، ولكن إذا أردنا أن نتحدث بصراحة فكلنا نعلم بأن المشكلة ليست فقط في الذين أقدموا على هذه الجريمة البشعة وإنما في الكثير من المؤيدين والمتعاطفين والمبررين رغم أن قتل النساء والأطفال والأبرياء أمر لا يمكن أن يبرره عقل أو منطق فكيف بمن ينتمون إلى دين سماوي هو خاتم الديانات وكافة أحكامه وتشريعاته قائمة على التسامح والتآلف والرحمة وتدعو إلى السلام والعدالة، ومع الوقت أدركنا أن هذا الإرهاب الذي باركه بعضنا وبرره البعض الآخر ونفينا جميعاً صفته عنا أصبح يحيط بنا ويتربص غير عابىء بوطنية أو أخوة إسلامية أو روابط القربى والدم واكتشفنا أن المنفذين للعمليات الإرهابية والمنضوين تحت لوائها يتجاوز عددهم الخمسة عشر ناهيك عن المساندين والمحرضين، ومن ثم توالت المفاجآت والتي أظهرت بوضوح أن هؤلاء الإرهابيين استخدموا كافة الوسائل واستغلوا أسماء جمعيات خيرية لتمويل بعض نشاطاتهم، والحقيقة إنني كنت آمل أن مثل ذلك من شأنه أن يساهم في خلق بيئة واعية لا يمكن مستقبلاً أن تنساق خلف شعارات زائفة أو يسهل تعبئتها، وتوجيه قناعاتها والتلاعب بمشاعر أفرادها من خلال استثمار الجانب الديني والقيم الاجتماعية النبيلة وذلك من باب رب ضارة نافعة ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ولكن تبخر الأمل وأصبح سراباً، وتمثل هذا الأمر جلياً في شباب توجهوا إلى بلاد الرافدين والتي لا ينقصها الرجال وتم استغلالهم هناك أسوأ استغلال ويكفي أن نسبة كبيرة منهم نفذوا عمليات انتحارية والبعض منهم تركت جثثهم في الشوارع والأزقة تنهشها الكلاب الضالة، ومن وجهة نظري أن الكثير منهم لم ينتحر وإنما نحر، ومن الأمثلة أيضاً استمرار جمع التبرعات في المساجد والجوامع من قبل أشخاص ليس لديهم أي صفة رسمية وقد حدث هذا في شهر رمضان والأدهى أن من قام بهذا الفعل من النساء.. فهل كان ذلك لإبعاد الشبهة؟ أما المثال الأكثر خطورة فهو عدم حدوث تغيير يذكر في طبيعة الخطاب الديني السائد والذي يتسم تارة بالتشنج وتارة بالإقصاء وأخرى بالإتهام والتأويل وأصدق برهان على ذلك الرفض غير المبرر وغير المنطقي للرأي الآخر وعدم قبول النقد، ولا أعني أن يكون الخطاب الديني متبنياً لهذا الرأي أو موافقاً له ولكن على أقل تقدير عدم تصنيف أصحابه وتسميتهم بمسميات تحمل في طياتها دلالات تشير بوضوح إلى الطعن في وطنيتهم وانتمائهم لدينهم، والتساؤل الذي يطرح نفسه على هذا الصعيد.. هل قامت الجهات المعنية بالدور المطلوب منها للحد من وقوع المواطن ضحية للمزايدين والمتاجرين بالإسلام وبالدم السعودي، ومنع هؤلاء من الاستمرار في نهجهم الكارثي؟
المقال أعلاه نشر في صحيفة الرياض بالعدد (14027) وتاريخ 28/10/1427ه ولكن لم ينشر كاملا.
نشر هذا المقال أيضاً في صحيفة كل الوطن الإلكترونية بتاريخ 27/يوليو/2009

هناك 5 تعليقات:

  1. لاحول ولاقوة إلا بالله كل هذه الجرائم والمؤمرات ومازال فينا من ينكر هذه الحقائق...

    ناصر القحطاني

    ردحذف
  2. يبدو أنك ياأخ ناصر لاتقرأ جيدا وأنصحك بقراءة المقال مره ثانيه

    صالح العنزي

    ردحذف
  3. أظن أن الأستاذ فهد لم ينكر حدوث المؤمرات ولكنه بين أنها تحدث في كل زمن ومن قبل حتى المسلمين وأنهم أحيانا يتسببون في حدوثها بأفعالهم البعيده عن الإسلام والإنسانيه

    محمد العتيبي

    ردحذف
  4. ذا ليس مقالا وإنما تحليلا عميقا لعقدة يعاني منها الكثيرون وهي المؤامره وكأن المسلمون لايتآمرون على بعضهم البعض .

    سعيد الأحمري

    ردحذف
  5. شكرا أخي ناصر وإجابة الأخ/ محمد العتيبي تكفي فشكرا له أيضا وبارك فيه,الأخ/ صالح والأخ سعيد تقبلا خالص تقديري وبالغ إمتناني,,,,

    ردحذف

حاور برأي واعي وفكر مستنير وفقاً لمبدأ كل أمر يجوز فيه الإختلاف مالم يكن من الثوابت الشرعية وأختلف وناقش كيفما تريد ولكن في إلإطار الموضوعي وبعيداً عن التشخيص والتجريح وأعلم أن الإساءة ليست من دأب الكرام وهي مردودة على صاحبها وكل وعاءٍ بما فيه ينضح وتذكر قول الحق سبحانه وتعالى{مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.