أخبار العربية

طاش (عمل جميل) في زمن التستر والمحسوبيات


كثر الحديث في هذه الأيام حول ما تعرض له المسلسل التلفزيوني "طاش ما طاش" من قضايا والأسلوب الذي انتهجه لنقد بعض الممارسات الخاطئة في المجتمع، وجرى اتهام المسلسل والعاملين فيه بأنهم يتعمدون وبدون وجه حق النيل من "رجال الدين" كما جاز لهم تسميتهم وأن المسلسل بذلك تجاوز الخطوط الحمراء في الإساءة للملتزمين ومؤسسات دينية معينة وأنه يفتقر للموضوعية في الطرح ويتعمد المبالغة والتجريح، وأن المسلسل تجاهل مواضيع وقضايا أخرى، وفي هذا السياق كنت في مناسبة إفطار عند أحد الأصدقاء الذين تأثروا بهذه الاتهامات وباركوها، وقد ذكرت أن المسلسل تعرض للكثير من الجهات الحكومية والأمنية، ووجه سهام النقد لمعظم أجهزة الدولة وبذات الأسلوب فهذا ديدنه في رصد التجاوزات والسلبيات بهدف تسليط الضوء عليها، ومع ذلك يتم التعامل حيال هذا النقد والذي كان حاداً وقاسياً في كثير من الأحيان بهدوء ولم يتم توجيه الاتهامات للقائمين على المسلسل ولم يتعرض أبطاله للهجوم اللاذع، وبينت أيضاً أن مساحة الحرية للمسلسل في نقد السلوكيات والممارسات السيئة لمنسوبي الجهات ذات الطابع الديني محدودة جداً، وأن ذلك لا يتم إلا في إطار وقائع حدثت وليست من بنات أفكار معدي حلقات المسلسل أو أبطاله مثلما يحدث مع الجهات الأخرى.
وأثناء هذا الحديث الساخن والمتشعب والذي خرج عن مساره الصحيح إلى ذكر مآثر هذه الجهات التي تناولها المسلسل بالنقد وبيان إيجابياتها ومالها من دور بناء في حماية الفضيلة والأخلاق والتصدي للكثير من الجرائم والمفاسد حتى إنه تم تجاهل ما تقوم به الجهات الأمنية وأنه أقل بمراحل مما تضطلع به هذه الجهات وهذا حتماً لا أساس له من الصحة ولا يستند للواقع بأي صلة كما أن إيجابيات هذه الجهات واجب شرعي ووطني لا فضل فيه لأحد ولا منة وليست بأي حال من الأحوال مبرراً لتكرار وقوع الأخطاء وعدم الاعتراف بها والرفض المطلق لأي نقد بشأنها.. أقول أثناء ذلك خرج أحدهم عن صمته وأخذ يهاجم رجال الأمن بأسلوب التعميم الذي اتهم المسلسل باتباعه مع الجهات التي يرفض توجيه النقد لها ثم قال لي مدعياً معرفة ما لا أعرفه "خليك في الجرايد" يا لها من تهمة لا يعي قائلها معناها.
ومما سبق أود أن أقول : على المرء إن كان لديه رأي مبني على فكر وثقافة متعمقة في الأمور أن لا يبوح به إلا بوجود من لديهم درجة معقولة من الثقافة والمنطق السليم حتى وإن اختلفوا معه فإن هذا لا يضيره.
وقد يستفيد من هذا الاختلاف كما أن الموضوع مدار النقاش لن يتشعب إلى نقاط وجوانب متفق عليها، بالإضافة إلى أنه سوف يكون في منأى عن الاتهامات والتلميحات والادعاءات والتأويلات التي يثيرها الطرف الآخر لتغطية فشله وعجزه عن مقارعة الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق، أما بالنسبة لمسلسل طاش ما طاش والجرأة التي تميز بها خلال هذا العام فهي محط كل التقدير والاعتزاز وهذا لا يعني عدم وجود ملاحظات على مستوى العمل من الناحية الفنية ونحو ذلك، ولو أن الذين هاجموا طاش ما طاش هاجموا أيضاً غيره من مسلسلات متعللين بما تتضمنه من مشاهد قد لا تتوافق مع قيمنا الاجتماعية والدينية لهان الأمر وأصبح مقبولاً أما أن يتم التركيز على هذا المسلسل المحلي وأن تصدر الفتاوى بتحريمه وحث الناس للدعاء على المشاركين فيه، فإن ذلك يثير الكثير من علامات الاستفهام والدهشة ويدل دلالة واضحة لا لبس فيها ولا غموض أن الهدف من هذا الهجوم هو محاولة بائسة ويائسة لبقاء كل من يرتدي عباءة الإسلام بعيداً عن النقد وفي إطار من التنويه عن كل خطأ وإن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا "المعصوم" قد وقع في ما يقع به الآخرون فإنه يجب ألا يتم كشف ذلك أمام الرأي العام بدعوى أن هذا الأمر ينال من مكانة أهل التقى والصلاح ويساهم في تشويه العمل الذي يقومون به وأن من يقدم على هذا النقد ليس إلا حاقد ويهدف إلى تعطيل هذا العمل النبيل، ولا أدري لماذا يكيل هؤلاء بمكيالين ولا يعممون هذه النظرة القاصرة والسطحية عندما يتعرض المسلسل لأخطاء مختلف الجهات وكافة فئات المجتمع، وفي اعتقادي أن هؤلاء قسمان الأول لديه مصالح يريد الحفاظ عليها، ويأمل في السيطرة على عقول الناس وتوجيهها وفق الأيدلوجيات التي يراها ويؤمن بها، ويستخدم في سبيل ذلك فرض الرأي الواحد ورفض الرأي الآخر، وعدم إتاحة المجال لهذا الرأي سواء في السر أو العلن لأنه لا يمتلك البراهين الكافية والقاطعة للدفاع عن هذا الرأي الواحد والتي تجعله يستطيع الصمود في وجه أي رأي مخالف وهذا بالتأكيد سوف يفقدهم الكثير من مكانة حصلوا عليها في غياب أي رأي مضاد وفي ظل ظروف تاريخية كان صوتهم فيها هو الأقوى مما جعل رأيهم يظهر وكأنه رأي الأغلبية، ومن وجهة نظري المتواضعة أنه لو أتيح المجال لكافة الآراء المتابينة بدرجة متساوية لتغيرت كفة الميزان ولخفت حدة التوتر والريبة تجاه هذه الآراء ولكان بالإمكان تقبلها وإن لم يتم الاتفاق معها، ولن يتهم أصحابها بالخيانة والفسق أو التعدي على ثوابت الدين وقيم المجتمع، أما القسم الآخر من الذين ينادون بعدم نقد منسوبي الجهات السالفة الذكر فهم متأثرون بالتيار الأول وأسرى لرغبات أصحابه وليس لهم رأي واضح أو فهم صحيح لخلفيات هذه الرغبات وأهدافها الحقيقية وبالتالي فمن الأجدر والأحرى عدم مناقشتهم أو الدخول معهم في حوار عقيم لا جدوى منه.
وفي الختام نقول للقائمين على طاش ما طاش استمروا وبارك الله في جهودكم ولا تأخذكم في الحق لومة لائم وكلنا أمل في أن يكون النقد شاملاً لكافة السلوكيات غير المقبولة شرعاً وقانوناً، وأن نخلع عن وجوهنا الأقنعة المزيفة التي نرتديها ونخدع فيها أنفسنا قبل أن نخدع الآخرين، كما نتمنى أن تتناول الصحف المحلية بذات الجرأة أخطاء الجهات التي أحاطت نفسها بسور حصين من السرية، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن طبيعة الأعمال الكوميدية الساخرة تتطلب استخدام أسلوب المبالغة في الطرح، ولكن المهم وجود المشكلة المعالجة درامياً وبنسبة تستحق هذا التناول وهذا لا يعني بالتأكيد التعميم وليس بالضرورة أن تكون القضية المطروحة ظاهرة حتى يتم التعرض لها، وإلى الأمام يا طاش ما طاش رغم أنف أصحاب النظرة الضيقة والاعتبارات الشخصية فقد ولى عصر الوصاية.
المقال أعلاه نشر في صحيفة الرياض بالعدد (13998) وتاريخ 29/9/1427ه.

هناك 6 تعليقات:

  1. أعتقد ياأخ فهد أنه بالفعل لاإستثناءات في النقد وأن الجميع يجب أن يكونوا عرضة للنقد والمسآله ولكن أختلف معك في عدم التطرق لتجاوزات فريق طاش الدينيه والأخلاقيه.....

    ناصر القحطاني

    ردحذف
  2. المقال جميل كجمال مسلسل طاش ماطاش وشكرا للكاتب على صراحته وإبداعه

    سلطان السبيعي

    ردحذف
  3. أخ ناصر أنا رفضي للهجوم على المسلسل لايعني موافقتي على الكثير من المشاهد من الناحيه الشرعيه ولكن أن يتم التركيز على هذا المسلسل تحديدا وتحريم مشاهدته بالرغم من وجود عشرات المسلسلات الأسؤ وأن يتم تبرير ذلك بنقد المسلسل لبعض الجهات ذات الطابع الديني فهذا محل تساؤل وإستغراب وإستنكار لأنه يعني محاولة الإبقاء على هذه الجهات خارج إطار النقد والدليل على منطقية هذا التحليل أن نفس الأسلوب تم إستخدامه مع الصحافه....وشكرا لك ,,,,,

    ردحذف
  4. أنت الأجمل ياأخ سلطان وشكرا على الثناء والإطراء,,,,

    ردحذف
  5. الاخ فهد
    السلام عليكم ورحمة الله
    بالنسبة لطاش ما طاش لم نشاهده هذا العام ولكن مالفت انتباهى ان احدهمجاء من صلاة الجمعة الماضية اول جمعة لرمضان وبدا يحكى لى عن ان موضوع الخطبة كانت عن طاش ولكن ما لفت انتباه وانتباهى انه قال لى ان الامام بدا باردف بعض الكلمات على اشخاص طاش وقال بالحرف واصفا احدهم زوجته تلك التى هى سافرة وابنه كذلك الذى اصبح يمثل معه وكل اسرته وكلام من هذا القبيل ...
    اتفق معك فى التحفظ على بعض المشاهدات والمنحنيات الشرعية لطاش ولكن يجب ان نكون كما واد العرب بناتهم الاحياء ولكن غالبا المجتمع لا يتقبل النقد ولا الجديد ولا الراى المخالف ويصبق عليه الصبغة الدينية المتشددة هذا رائى على العمومرغم انى لم اشاهده ..
    انا اشتم رائحة افتاء قادمة فى الطريق ستحرم طاش سدا للزرائع ..خاصة بعد خطبة الجمعة تلك

    تشكر على التوضيح والطرح
    فى امان الله

    ردحذف
  6. الأخت لمى كل الشكر والتقدير على مشاركتك وتعليقك البناء ولك فائق تحياتي،،،

    ردحذف

حاور برأي واعي وفكر مستنير وفقاً لمبدأ كل أمر يجوز فيه الإختلاف مالم يكن من الثوابت الشرعية وأختلف وناقش كيفما تريد ولكن في إلإطار الموضوعي وبعيداً عن التشخيص والتجريح وأعلم أن الإساءة ليست من دأب الكرام وهي مردودة على صاحبها وكل وعاءٍ بما فيه ينضح وتذكر قول الحق سبحانه وتعالى{مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.