أخبار العربية

هل رحلت بفعل السُقام أم لم يطب لك فينا المُقام ؟


في بعض المواقف تتمنى لو تركت لقلمك العنان حتى يسطر أغزر المعاني وأجمل العبارات وأكثرها عزاءً للنفس ولكن عندما تعظم الفاجعة فإن القلم لا يسعفك والمعاني تصبح عصية على الحضور بين يديك فتخونك ذاكرة البلاغة ويعجز اللسان عن التعبير عما يخالج النفس ويعتريها من مشاعر فياضة وأحاسيس صادقة ويُحار المرء في اختيار الكلمات المناسبة لحجم هذه الفاجعة ولعمري هذا ما دهاني عند رحيل رجل بقامة الأديب الوزير/غازي القصيبي فرحيله بحق فاجعة بكل ما تحوي هذه الكلمة من معنى أتفق معنا من أتفق وأختلف معنا من أختلف فهو الرجل المتفق فيه والمختلف عليه وهذا لا يضيره بل يزيده شرفاً على شرف فأي كلمات تغنيك وتتيح لك وصف الفاجعة وأي معاني يمكن لها أن تفي الرجل الكبير حقه وكيف يتسنى لنا أن نختار ألفاظ الأدب ونقلب بطون الكتب لرثاء من كان قاموس الأدب ولأجل ذلك نخاطبه بإيجاز وبخجل قائلين : سنرثيك وإن عاتبنا الأقربون وهاجمنا الأبعدون وسوف نبكيك وإن غضب منا الناقمون عليك والسطحيون .
أه يا فقيد الوطن رحلت ورحلت معك الكثير من الأحلام غبت عن دنيانا وغابت معك أمال فلمَ ترجلت عن صهوة جوادك ولم ينتهي بعد السباق ؟ وعلاما استعجلت الرحيل ولم نحظى منك بلحظة عناق أو بصحبة الرفاق ؟ فهل كان ذلك بفعل السُقام أم لم يطب لك فينا المقام ؟ أم تُراك سئمت حياتنا حياة القيل والقال أو أنك مللت الصهيل يا رجل الدولة الأصيل فاخترت البعد وطول المنام فهل نرثيك أم نرثي أنفسنا هل نبكيك أم نبكي واقعنا وهل نحزن عليك أم نحزن لحالنا فكم ضاقت الأرض بما رحبت لفراقك وكم تألمنا لوداعك نعم مثلك من الرجال يستحق أن يرثى بقلوب خاشعة وعيون دامعة ونفوس شامخة فأنت الرجل المخلص في زمن قل فيه المخلصون وأنت الشجاع في زمن كثر فيه الجبناء وأنت الصادق في بحر من الكذب والنفاق وأنت المبدع قبل أوانه وأنت صاحب الفكر الذي سبق عصره وأنت الإستثناء إذا أنعدم الإستثناء بل أنت النماء في أرض بلا ماء وأنت الروض الأخضر في الأرض الجدباء وأنت المجاهد بالقلم وشهيد الكلم وأنت الرجل الصعب في الزمن الأصعب وأنت المعدن النفيس في زمن المعادن الرخيصة وأنت العملة النادرة في زمن العملات المزيفة .
أنت الشاعر الوزير والمفكر السفير وأنت الروائي القدير ولهذا أحبك الكثيرون وسخط منك الكثيرون وحسدك الكثيرون ووشى فيك الكثيرون ونال من وطنيتك ودينك الكثيرون وجلهم أحبوك وكرهوك ولم يعرفوك ولكن طارت بأخبارك لهم الركبان فسمعوا عنك وقرآوا لك والسواد الأعظم منهم للأسف لم يقرأ أو لم يفهم إلا العنوان .
يا ابن القصيبي وداعاً أيها الفارس النبيل وسلاماً أيها الشيخ الجليل وأعلم أن لا عزاء فيك وإن كثُر المعزون وعظمت منازلهم وإن كان من عزاء وحيد فهو رحيلك من دار الفناء والشقاء إلى دار البقاء والهناء وأن روحك الطاهرة غادرت دُنيا الجحود والنكران إلى حيث الأجر وعظم الثواب في حُسن الجِنان ومما يخفف المُصاب في فقدانك ورحيلك أنك رحلت جسداً وبقيت فينا فكراً وأدباً .
نم قرير العين مطمئن النفس فنحن نعاهدك يا ابن الوطن البار وسيفه المغوار يا من علمتنا دروب الكفاح والنضال أننا على نهجك سائرون وعلى طريق الفلاح والصلاح سنمضي عازمون والعار كل العار إذا نحن لم نكمل المشوار فبعون الواحد الأحد القاهر الصمد ثم بدعم المليك باني المجد والإصلاح لن تسقط أقلامنا أو تجف في مقارعةِ أعداء الدين والوطن المتنفذون من أصحاب الهوى والمصالح والرجعيون دعاة الخوى ولُباس المشالح فإلى جنات الخلد وصحبة الأخيار ونعيم الأبرار يا أبا يارا .
نشر هذا المقال في صحيفة الرياض بعددها رقم 15398وذلك في يوم السبت 11رمضان 1431ه الموافق 21أغسطس2010م .

هناك 10 تعليقات:

  1. هذا شعر وصح لسانك على هاالابداع والله انك متميز

    بنت شيوخ

    ردحذف
  2. رحمه الله فقد كان كما قلت من الرجال القلائل في هذا الزمن العجيب شكرا لك على المعنى والاسلوب الجميل.
    تركي الغامدي

    ردحذف
  3. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..
    ؛
    أجمل ما قرأت بـ رثاء شخص كان من عملاقة الفكر والأدب....
    ×
    ×
    أختصر ذلك عن ما قيل بـ أسلوب النثر وهذا ما وجدته بهذا المقال

    ~(( فالنثر بمعناه العام هو الكلام المرسل الذي أطلق من قيود الوزن والقافية..
    والنثر الذي نقصده ونعنيه هنا ( النثر الفني ) الذي يرتفع به أصحابه عن لغة الحديث العادية الدارجة،
    ولفة العلم الجافة،
    إلى لغة فيها فن ومهارة وروية،
    ويوفرون له ضروباً من التنسيق والتنميق والزخرف،
    فيكون النثر الفني بهذا المعنى لوناً جميلاً من الإنشاء العالي للتعبير عن خلجات النفس.....
    >> أو هو ما يمكن أن نطلق عليه الكتابة الراقية ))~
    ×
    ×
    استاذ فهد أجاد منك الحرف ولغة الحال فكان هنا جمال المقال

    مصافحتي لك

    ردحذف
  4. بنت شيوخ حياك وصح بدنك وشكرا جزيلا لتواصلك .

    ردحذف
  5. أخوي تركي مشكور وهذا من حسن ذوقك .

    ردحذف
  6. السبيعيR كل التقدير لشخصك الكريم على هذا التعليق الهادف وشكراً لإطراءك .

    ردحذف
  7. صدق اخوي السبيعي فهذا المقال اجمل ما قيل في الفقيد تغده الله بواسع رحمته


    فتون العنزي

    ردحذف
  8. حياك أختي فتون وشكرا جزيلا لمشاركتك،،،

    ردحذف
  9. وش السالفة ماشوف شيء

    ردحذف
  10. غير معرف يا من تسأل عن السالفة إن كنت ما تشوف فنسأل الله لك الشفاء وإذا كنت تشوف ولكن لا تجيد القراءة فأنصحك بالإلتحاق بصفوف محو الأمية أما إذا كنت تشوف وتقرأ ولكن لا تستوعب فأنصحك بعدم القراءة حتى لا تتعب عقلك أكثر مما هو تعبان ... كان الله في عونك يا عزيزي ويكفينا زيارتك ... تحياتي،،،

    ردحذف

حاور برأي واعي وفكر مستنير وفقاً لمبدأ كل أمر يجوز فيه الإختلاف مالم يكن من الثوابت الشرعية وأختلف وناقش كيفما تريد ولكن في إلإطار الموضوعي وبعيداً عن التشخيص والتجريح وأعلم أن الإساءة ليست من دأب الكرام وهي مردودة على صاحبها وكل وعاءٍ بما فيه ينضح وتذكر قول الحق سبحانه وتعالى{مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.